فتجيب الآية مباشرة وَ ما كُنَّا عَنِ
الْخَلْقِ غافِلِينَ. إنّ الاستناد هنا إلى مسألة
الخلق، إشارة إلى أنّ قضيّة خلق الكون بنفسها دليل على علم اللّه تعالى بمخلوقاته
و توجّهه إليها: فهل يمكن أن يغفل الخالق عن مخلوقاته؟! و يمكن أن تقصد الآية
أنّنا نملك سبلا كثيرة لتردّد الملائكة من فوقكم، و لسنا غافلين عنكم، كما أنّ
ملائكتنا مشرفة عليكم و تشهد أعمالكم.
و أشارت الآية التالية إلى أحد مظاهر القدرة الإلهيّة، الذي يعتبر من بركات
السموات و الأرض، ألا و هو المطر، حيث تقول: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ.
أنزلنا المطر بقدر لا يغرق الأرض من كثرته، و ليس قليلا بحيث لا يكفي لري
النباتات و الحيوانات. أجل لو انتقلنا من البحث حول السّماء إلى الأرض لوجدنا
الماء من أهمّ الهبات الإلهيّة، و أصل حياة جميع المخلوقات، و بهذا الصدد أشارت
الآية إلى قضيّة أكثر أهميّة، هي قضيّة احتياطي المياه الجوفية فتقول: فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ
لَقادِرُونَ.
نحن نعلم أنّ القشرة السطحيّة من الأرض تتكوّن من طبقتين مختلفتين:
إحداهما نفوذية و أخرى غير نفوذية. و لو كانت القشرة الأرضية جميعا نفوذية
لنفذ المطر إلى جوف الأرض فورا، ثمّ يظهر الجفاف بعد هطول المطر و إن استغرق مدّة
طويلة ... حيث لا نعثر على ذرّة من الماء! و لو كان سطح الأرض من طين أحمر لبقي
المطر فوق سطح الأرض و تلوّث و تعفّن و شدّة الخناق على الإنسان، و أصبح سببا لموت
الإنسان في الوقت الذي هو أصل الحياة.
إلّا أنّ اللّه الرحيم جعل القشرة الأولى من سطح الأرض نافذة، و تليها قشرة
غير نافذة تحافظ على المياه الجوفية، فتكون احتياطا للبشر يستخرجها عند الحاجة عن
طريق الآبار، أو تخرج بذاتها عن طريق العيون، دون أن تفسد أو