الوجود المطلق لذات اللّه، و قطرة في محيط لا نهاية له.
لحظات هذه الصلاة درسا للمؤمن في بناء ذاته و تربيتها، و وسيلة لتهذيب نفسه و
سمو روحه.
و
قد جاء في حديث عن الرّسول الأكرم صلى اللّه
عليه و آله و سلّم حين شاهد
رجلا يلهو بلحيته و هو يصلّي قوله: «أمّا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه»[1].
ارة منه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أنّ الخشوع الباطني يؤثّر في ظاهر
الإنسان. و كان كبار قادة المسلمين يؤدّون صلاتهم بخشوع حتّى تحسبهم في عالم آخر،
يذوبون في اللّه، حيث نقرأ عنهم
في حديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم «إنّه كان يرفع بصره إلى السّماء في صلاته، فلمّا نزلت الآية طأطأ رأسه و رمى
ببصره إلى الأرض» [2].
و ثاني صفة للمؤمنين بعد الخشوع ممّا تذكره الآية وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ حقّا نرى جميع حركات و سكنات المؤمنين تتجّه لهدف واحد
مفيد و بنّاء، لأنّ «اللغو» يعني الأعمال التافهة غير المفيدة، و كما قال بعض
المفسّرين فإنّ اللغو كلّ قول أو عمل لا فائدة فيه، و إذا فسّر البعض اللغو
بالباطل.
و بعض فسّره بالمعاصي كلّها.
و آخر بمعنى الكذب.
و آخر: السباب أو السباب المتقابل.
و البعض الآخر قال: إنّه يعني الغناء و اللهو و اللعب.
و آخر: إنّه الشرك. فإنّ هذه المعاني مصاديق ذلك المفهوم العام.
و طبيعي أنّ اللغو لا يشمل الأفعال و الكلام التافه فقط، و إنّما يعني الآراء
التافهة التي لا أساس لها، التي تنسي العبد ربّه و تشغله بها دون الأمور المفيدة،
إذن فاللغو يتضمّن كلّ هذا، و الحقيقة أنّ المؤمنين لم يخلقوا من أجل الانشغال
بآراء
[1]- تفسير الصافي، و تفسير مجمع
البيان، في تفسير الآية موضع البحث.
[2]- تفسير مجمع البيان، و تفسير
الفخر الرازي، للآية موضع البحث.