للوصول إلى هذا الفخر العظيم باكتساب صفة المؤمنين. تقول الآية قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.
كلمة «أفلح» مشتقّة من الفلح و الفلاح، و تعني في الأصل الحرث و الشقّ، ثمّ
أطلقت على أي نوع من النصر و الوصول إلى الهدف و السعادة بشكل عام، و الحقيقة أنّ
المنتصرين يزيلون من طريقهم كلّ الموانع و الحواجز لينالوا الفلاح و السعادة، و
يشقّون طريقهم لتحقيق أهدافهم في الحياة. و لكلمة الفلاح معنى واسعا بضمّ الفلاح المادّي
و المعنوي، و يكون الاثنان للمؤمنين.
فالفلاح الدنيوي أن يحيا الإنسان حرّا مرفوع الرّسول عزيز النفس غير محتاج، و
لا يمكن تحقيق كلّ ذلك إلّا في ظلال الإيمان و التمسّك باللّه و برحمته.
أمّا فلاح الآخرة فهو الحياة في نعيم خالد إلى جانب أصدقاء جديرين طاهرين،
حياة العزّ و الرفعة.
و يلخّص الراغب الاصفهاني خلال شرحه هذه المفردة بأنّ الفلاح الدنيوي في ثلاثة
أشياء: البقاء و الغنى و العزّ، و أمّا الفلاح الاخروي ففي أربعة أشياء: بقاء بلا
فناء، و غناء بلا فقر، و عزّ بلا ذلّ، و علم بلا جهل.
ثمّ تشرح الآية هذه الصفات فتؤكّد قبل كلّ شيء على الصلاة فتقول: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ.
«خاشعون» مشتقّة من خشوع، بمعنى
التواضع و حالة التأدّب يتخذها الإنسان جسما و روحا بين يدي شخصيّة كبيرة، أو
حقيقة مهمّة تظهر في الإنسان و تبدو علاماتها على ظاهر جسمه.
و القرآن اعتبر الخشوع صفة المؤمنين، و ليس إقامة الصلاة، إشارة منه إلى أنّ
الصلاة ليست مجرّد ألفاظ و حركات لا روح فيها و لا معنى، و إنّما تظهر في المؤمن
حين إقامة الصلاة حالة توجّه إلى اللّه تفصله عن الغير و تلحقه بالخالق، و يغوص في
ارتباط مع اللّه، و يدعوه بتضرّع في حالة تسود جسمه كلّه، فيرى نفسه ذرّة إزاء