و قد اتّضح بهذا أنّ القصد من عبارة ما
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ هو الأحداث المستقبلة و ما خَلْفَهُمْ الأحداث
الماضية.
الآيتان التاليتان هما آخر آيات سورة الحجّ حيث تخاطبان المؤمنين و تبيّنان
مجموعة من التعاليم الشاملة التي تحفظ دينهم و دنياهم و انتصارهم في جميع
الميادين، و بهذه الروعة و الجمال تختتم سورة الحجّ.
في البداية تشير الآية إلى أربعة تعليمات يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ
اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ و قد بيّنت الآية ركنين من أركان الصلاة، الركوع و السجود
لأهميتهما الاستثنائية في هذه العبادة العظيمة.
و الأمر بعبادة اللّه- بعد الأمر بالركوع و السجود- يشمل جميع العبادات.
و لفظ «ربّكم» إشارة إلى لياقته للعبادة و عدم لياقة غيره لها، لأنّه سبحانه و
تعالى مالك عبيده و جميع مخلوقاته و مربيّهم.
و الأمر بفعل الخير يشمل أعمال الخير دون قيد أو شرط، و ما نقل عن ابن عبّاس
من أنّ هذه الآية تتناول صلة الرحم و مكارم الأخلاق هو بيان مصداق بارز لمفهوم
الآية العامّ.
ثمّ يصدر اللّه أمره الخاص بالجهاد بالمعنى الشامل للكلمة، فيقول عزّ من قائل: وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ.
و معظم المفسّرين لم يخصّوا هذه الآية بالجهاد المسلّح لأعداء اللّه، بل
فسّروها بما هي عليه من معنى لغوي عامّ، بكلّ نوع من الجهاد في سبيل اللّه
[1]- العلّامة الطباطبائي في تفسير
الميزان ذيل الآيات موضع البحث، يعتبر جملة
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ إشارة إلى
عصمة الأنبياء و حماية اللّه لهم، و مع ملاحظة ما ذكرناه أعلاه فإنّ هذا التّفسير
يبدو بعيدا نوعا ما.