بما أنّ الآيات السابقة تناولت بحث التوحيد و الشرك و آلهة المشركين الوهميّة.
و بما أنّ بعض الناس قد اتّخذوا الملائكة أو بعض الأنبياء آلهة للعبادة، فانّ أوّل
الآيات موضع البحث تقول بأنّ جميع الرسل هم عباد اللّه و تابعون لأمره:
أجل، اختار اللّه من الملائكة رسلا كجبرئيل، و من البشر رسلا كأنبياء اللّه
الكبار. و «من» هنا للتبعيض، و تدلّ على أنّ جميع ملائكة اللّه لم يكونوا رسلا إلى
البشر، و لا يناقض هذا التعبير الآية الأولى من سورة فاطر، و هي جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا لأنّ غاية هذه الآية بيان الجنس لا العموم و الشمولية.
و ختام الآية إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ أي إنّ اللّه ليس كالبشر، لا يعلمون أخبار رسلهم في
غيابهم، بل إنّه على علم بأخبار رسله لحظة بعد أخرى، يسمع كلامهم و يرى أعمالهم.
و تشير الآية الثّانية إلى مسئولية الأنبياء في إبلاغ رسالة اللّه من جهة، و
مراقبة اللّه لأعمالهم من جهة أخرى، فتقول:
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ إنّه يعلم ماضيهم و مستقبلهم وَ إِلَى
اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ فالجميع
مسئولون في ساحة قدسه.
ليعلم الناس أنّ ملائكة اللّه سبحانه و أنبياءه عليهم السّلام عباد مطيعون له
مسئولون بين يديه، لا يملكون إلّا ما وهبهم من لطفه، و قوله تعالى: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ إشارة إلى واجب و مسئولية رسل اللّه و مراقبته سبحانه لأعمالهم، كما جاء في
[1]- تفاسير القرطبي، و أبو الفتوح
الرازي، و الفخر الرازي، و روح المعاني.