جمعا من
الناس قد اتّبعوا السّحرة و آمنوا بدين موسى. و لذلك لم ير فرعون بدّا إلّا أن
يجمع كيانه و يلملم ما تبّقى من هيبته و سلطانه عن طريق الصراخ و التهديد و الوعيد
الغليظ، فتوجّه نحو السّحرة و قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ
آذَنَ لَكُمْ.
إنّ هذا
الجبّار المستكبر لم يكن يدّعي الحكومة على أجسام و أرواح الناس و حسب، بل كان
يريد أن يقول: إنّ قلوبكم تحت تصرّفي أيضا، و يجب على أحدكم إذا أراد أن يصمّم على
أمر ما أن يستأذنني، و هذا هو العمل الذي يؤكّد عليه كلّ الفراعنة على امتداد
العصور.
فالبعض-
كفرعون مصر- يجريها على لسانه حمقا عند اضطرابه و قلقه، و البعض احتفظ بهذا الحقّ
لنفسه و يبيّنه بصورة غير مباشرة عن طريق وسائل الإعلام، و طوابير العملاء، و
يعتقد بأنّ الناس يجب أن لا يعطوا الاستقلالية في التفكير، بل إنّه في بعض الأحيان
قد يسلب الناس الحرية باسم حرية التفكير.
و على كلّ
حال، فإنّ فرعون لم يكتف بذلك، بل إنّه ألصق بالسّاحرين التهمة و قال:
إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ.
لا شكّ أنّ
فرعون كان على يقين و معرفة تامّة بكذب كلامه و بطلانه، و لم يكن بالإمكان أن تحدث
مثل هذه المؤامرة في جميع أنحاء مصر و يجهل جنوده و شرطته بالأمر، و كان فرعون قد
ربّى موسى عليه السّلام في أحضانه، و غيبته عن مصر كانت من المسلّمات لديه، فلو
كان كبير سحرة مصر لكان معروفا بذلك في كلّ مكان، و لا يمكن أن يخفى أمره. إلّا
أنّا نعلم أنّ الطغاة لا يتورّعون عن إلصاق أي كذب و تهمة بخصومهم عند ما يرون
مركزهم الذي حصلوا عليه بغير حقّ يتعرّض للخطر.
ثمّ إنّه لم
يكتف بهذا، بل إنّه هدّد السّحرة أشدّ تهديد، التهديد بالموت، فقال: