و كلمتا «ركّع» و هي جمع للراكع، و «السجود» و هي جمع ساجد، لم يرد بينهما واو
العطف، بل ذكرتا وصفا لتقارب هاتان العبادتان.
و بعد إعداد البيت للعبادة، أمر اللّه تعالى إبراهيم عليه السّلام: وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ
عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.
كلمة «أذّن» مشتقة من «الأذان» أي «الإعلان». و «رجال» جمع «راجل» أي «ماشي».
و «الضامر» تعني الحيوان الضعيف. و «الفجّ» في الأصل تعني المسافة بين جبلين، ثمّ
أطلقت على الطرق الواسعة و «العميق» تعني هنا «البعيد».
جاء في حديث رواه علي بن إبراهيم في تفسيره: عند ما تسلّم إبراهيم عليه السّلام هذا الأمر الربّاني قال: إنّ أذاني لا يصل
إلى أسماع الناس، فأجابه سبحانه و تعالى (عليك الأذان و عليّ البلاغ)! فصعد
إبراهيم عليه السّلام موضع المقام و وضع إصبعيه في أذنيه و قال: يا أيّها الناس
كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فأجيبوا ربّكم. و أبلغ اللّه عزّ و جلّ نداءه
أسماع جميع الناس حتّى الذين في أصلاب آبائهم و أرحام أمّهاتهم، فردّوا: لبيّك
اللهمّ لبّيك! و إنّ جميع الذين يشاركون في مراسم الحجّ منذ ذلك اليوم و حتّى يوم
القيامة، هم من الذين لبّوا دعوة إبراهيم عليه السّلام [2].
و قد ذكرت الآية هنا الحجّاج المشاة أوّلا، ثمّ الراكبين، لأنّهم أفضل منزلة
عند اللّه، بسبب ما يتحمّلون من صعاب السفر أكثر من غيرهم، و لهذا السبب
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «للحاج الراكب بكلّ خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة، و للحاج الماشي بكلّ خطوة
يخطوها سبعمائة حسنة» [3].
[1]- يراجع تفسير الآية موضع البحث في
تفاسير الميزان، و في ظلال القرآن، و التبيان، و مجمع البيان، و التّفسير الكبير
للفخر الرازي.
[2]- بتلخيص، عن تفسير علي بن إبراهيم
حسبما نقله تفسير نور الثقلين، المجلّد الثّالث، 488.
و الآلوسي في روح المعاني، و الفخر الرازي، في التّفسير الكبير في تفسير الآية
موضع البحث مع بعض الفارق.
[3]- تفسير «روح المعاني»، و «مجمع
البيان»، و «الفخر الرازي».