و كلمة «بوّأ» مشتقة من بواء، أي الأرض المسطّحة، ثمّ أطلقت على إعداد المكان
مطلقا.
و تقصد هذه الآية حسبما يراه المفسّرون أنّ اللّه هدى إبراهيم عليه السّلام
إلى مكان الكعبة بعد أن هدمت بطوفان نوح و خفيت معالمها. إذ حدثت عاصفة فأزالت
التراب و كشفت عن أسس البيت، أو بعث اللّه سحابة ظلّلت مكان البيت، أو بأيّ أسلوب
آخر كشف اللّه لإبراهيم عليه السّلام أسّس الكعبة، فقام هو و ابنه إسماعيل عليهما
السّلام بتجديد بناء بيت اللّه الحرام [1].
و تضيف الآية الكريمة أنّه عند ما تمّ بناء البيت خوطب إبراهيم عليه السّلام: أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ[2].
فمهمّة إبراهيم عليه السّلام كانت تطهير البيت و ما حوله من أي نجس ظاهر أو
باطن، و من أي صنم أو مظهر للشرك، من أجل أن يوجّه عباد الرحمن قلوبهم و أبصارهم
إليه تعالى وحده في هذا المكان الطاهر، و ليقوموا بأهمّ العبادات في هذه البقعة
المباركة، ألا و هو الطواف و الصلاة في محيط إيمانيّ لا يخالطه شرك.
و أشارت الآية أيضا إلى ثلاثة من الأركان الأساسيّة في الصلاة: القيام، و
الركوع، و السجود، بالترتيب، لأنّ الأركان الباقية تستظلّ بها، على الرغم من قول
بعض المفسّرين: إنّ «القائمين» تعني هنا المقيمين بمكّة، و مع ملاحظة مسألة الطواف
و الركوع و السجود التي جاءت قبل كلمة القائمين و بعدها يتّضح لنا أنّ القيام هنا
يعني قيام الصلاة و قد اختار هذا المعنى عدد كبير من مفسّري الشيعة
[1]- يراجع للاطلاع على كيفية بناء
الكعبة تفسير الآية (127) من سورة البقرة. كما تناولنا ذلك بشرح مسهب في تفسير
الآية (96) من سورة آل عمران.
[2]- في هذه الآية جملة محذوفة
تقديرها «أوحينا» و قد أشار إلى ذلك عدد كبير من المفسّرين.