ثمّ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ
الْحَمِيمُ[1] أي يصبّ
على رؤوسهم سائل حارق هو حميم النّار، و هذا الماء الحارق الفوّار ينفذ إلى داخل
أبدانهم ليذيب باطنها و ظاهرها يُصْهَرُ
بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ[2].
و ثالث نوع من العقاب هو وَ لَهُمْ
مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ[3] أي أعدّت لهم أسواط من الحديد المحرق.
و الرابع: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها
مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ أي كلّما أرادوا الخروج من جهنّم و الخلاص من آلامها و همومها أعيدوا إليها،
و قيل لهم ذوقوا عذاب الحريق.
و أوضحت الآيات التالية وضع المؤمنين الصالحين، مستخدمة أسلوب المقارنة، لتكشف
بها عن وضع هاتين المجموعتين، و هنا تستعرض هذه الآيات خمسة أنواع من المكافئات
للمؤمنين: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.
فخلافا للمجموعة الأولى الذين يتقلّبون في نار جهنّم، نجد أنّ الذين آمنوا و
عملوا الصالحات يتمتّعون بنعيم رياض الجنّة على ضفاف الأنهر و هذه هي المكافأة
الأولى، و أمّا لباسهم و زينتهم فتقول الآية: و يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً
وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ[4].
و هاتان مكافئتان يمنّ اللّه بهما كذلك على عباده العالمين في الجنّة، يهبهم
أفخر الملابس التي حرموا منها في الدنيا، و يجمّلهم بزينة الأساور التي منعوا عنها
في الحياة الأولى، لأنّها كانت تؤدّي إلى إصابتهم بالغرور و الغفلة، و تكون سببا
لحرمان الآخرين و فقرهم. أمّا في الجنّة فينتهي هذا المنع و يباح للمؤمنين لباس