أجل، إنّه هو و أوامره، و دينه و أخلاقه كلّها رحمة، رحمة للجميع، و ستكون
عاقبة استمرار هذه الرحمة حكم الصالحين المؤمنين في كلّ أرجاء المعمورة.
و لمّا كان أهمّ مظهر من مظاهر الرحمة، و أثبت دعامة لذلك هي مسألة التوحيد و
تجليّاته، فإنّ الآية التالية تقول: قُلْ إِنَّما
يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟
و هذه الآية في الواقع تشير إلى ثلاث نقاط مهمّة:
الأولى: إنّ التوحيد هو الدعامة الأساسيّة للرحمة، و حقّا كلّما فكّرنا أكثر
فستتّضح هذه العلاقة أقوى، التوحيد في الإعتقاد، و في العمل، و التوحيد في الكلمة،
و توحيد الصفوف، و في القانون و في كلّ شيء.
الثّانية: إنّه بمقتضى كلمة (أنّما) الدالّة على الحصر، فإنّ كلّ دعوات
الأنبياء تتلخّص في أصل التوحيد، و المطالعات الدقيقة تبيّن أيضا أنّ الأصول، بل و
حتّى الفروع و الأحكام ترجع أخيرا إلى أصل التوحيد، و لذلك فإنّ التوحيد- و كما
قلنا سابقا- ليس أصلا من الأصول و حسب، بل إنّه كالخيط القوي الذي يربط خرز
المسبحة، أو الأصحّ أنّه كالروح السارية في البدن.
و النقطة الثّالثة: إنّ المشكلة الأساسيّة في جميع المجتمعات هي التلوّث
بالشرك بأشكال مختلفة، لأنّ جملة فَهَلْ
أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ توحي بأنّ المشكلة
الأساسيّة هي الخروج من الشرك و مظاهره، و رفع اليد عن الأصنام و تحطيمها، ليس
الأصنام الحجرية و الخشبية فحسب، بل كلّ الأصنام، و في أي شكل كانت، و خاصّة
طواغيت البشر! ثمّ تقول الآية التالية: إنّهم إذا لم يذعنوا و يهتّموا لدعوتنا و
نداءاتنا هذه فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ
عَلى سَواءٍ.
«آذنت» من مادّة الإيذان، أي الإعلان
المقترن بالتهديد، و جاء أحيانا بمعنى إعلان الحرب، لكن لمّا كانت هذه السورة قد
نزلت في مكّة، و لم تكن هناك أرضية