الوقت الحاضر فإنّ هذا السجل مفتوح، و تقرأ كلّ رسومه و خطوطه، و كلّ منها في
مكان معيّن، أمّا إذا صدر الأمر الإلهي بقيام القيامة فإنّ هذا السجل العظيم سيطوى
بكلّ رسومه و خطوطه.
طبعا، لا يعني طي العالم الفناء كما يتصوّر البعض، بل يعني تحطّمه و جمعه، و
بتعبير آخر: فإنّ شكل العالم و هيئته ستضطرب و يقع بعضه على بعض، لكن لا تفنى
مواده، و هذه الحقيقة تستفاد من التعبيرات المختلفة في آيات المعاد، و خاصة من
آيات رجوع الإنسان من العظام النخرة، و من القبور.
ثمّ تضيف كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ و هذا التعبير يشبه التعبير الذي ورد في الآية (29) من
سورة الأعراف: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ أو أنّه مثل تعبير وَ
هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ[1][2].
أمّا ما احتمله بعض المفسّرين من أنّ المراد من هذا الرجوع هو الرجوع إلى
الفناء و العدم، أو التلاحم و الارتباط كما في بداية الخلق، فيبدو بعيدا جدّا.
و في النهاية تقول الآية: وَعْداً[3] عَلَيْنا
إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ[4].
و يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المراد من رجوع الناس إلى الحالة الأولى، هو
أنّهم يرجعون حفاة عراة مرّة أخرى كما كانوا في بداية الخلق. و لكن لا شكّ أنّ هذا
لا يعني انحصار معنى الآية في ذلك و اقتصاره عليه، بل إنّه أحد صور رجوع الخلق إلى
الصورة الأولى [5].
[2]- كما قلنا سابقا، فإنّه لا يوجد
صعب و سهل بالنسبة إلى قدرة اللّه اللامتناهية، بل كلّ شيء متساو مقابل قدرته، و على
هذا فإنّ التعبير المستعمل في الآية أعلاه إنّما هو بالنسبة لمحدودية فهم البشر،
دقّقوا ذلك.