و لا أنسى وحدي، بل ستنسى مناهجي و سيرتي أيضا؛ أكدّ كلّ ذلك بتعبير لا تَذَرْنِي من مادّة (وذر)
على وزن مرز بمعنى ترك الشيء لقلّة قيمته و عدم أهميّته. و أخيرا فإنّ جملة وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ تعبّر عن حقيقة أنّه يعلم أنّ هذه الدنيا ليست دار بقاء، و نعلم أنّ اللّه
خير الوارثين، و لكنّه يبحث- من جهة عالم الأسباب- عن سبب يوصله إلى هذا الهدف ..
فاستجاب اللّه هذا الدعاء الخالص المليء بعشق الحقيقة، و حقّق أمنيته و ما
كان يصبوا إليه، كما تقول الآية:
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ يَحْيى و من أجل الوصول إلى هذا المراد أصلحنا زوجته و جعلناها قادرة على الإنجاب وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ.
ثمّ أشار اللّه سبحانه إلى ثلاث صفات من الصفات البارزة لهذه الأسرة فقال:
إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ
يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً[1] وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ و الخشوع هو الخضوع المقرون بالاحترام و الأدب، و كذلك الخوف المشفوع
بالإحساس بالمسؤولية.
إنّ ذكر هذه الصفات الثلاث ربّما تكون إشارة إلى أنّ هؤلاء عند ما يصلون إلى
النعمة فلا يبتلون بالغفلة و الغرور كما في الأشخاص الماديين من ضعفاء الإيمان،
فهؤلاء لا ينسون الضعفاء المحتاجين على كلّ حال، و يسارعون في الخيرات، و يتوجّهون
إلى اللّه سبحانه في حال الفقر و الغنى، و المرض و الصحّة، و أخيرا فإنّهم لا
يبتلون بالكبر و الغرور عند إقبال النعمة، بل كانوا خاشعين خاضعين أبدا.
[1]- «رغبا» بمعنى الرغبة و الميل و
العلاقة، و «رهبا» بمعنى الخوف و الرعب، و هناك احتمالات متعدّدة في محلّها من
الإعراب، فيمكن أن تكون حالا أو تمييزا أو مفعولا مطلقا، أو ظرفا أي في حال الرغبة
و في حال الرهبة. و بالرغم من أنّ نتائج هذه الاحتمالات الخمسة تختلف مع بعضها،
إلّا أنّ هذا التفاوت في جزئيات مفهوم الآية، لا في أساسها و نتيجتها.