أخذتم ماشيتي و مالي فحقّي عليكم أن تردّوا عليّ ما ذهب من عمري في بلادكم،
فاختصموا إلى قاضي نمرود، و قضى على إبراهيم أن يسلّم إليهم جميع ما أصاب في
بلادهم، و قضى على أصحاب نمرود أن يردّوا على إبراهيم ما ذهب من عمره في بلادهم،
فأخبر بذلك نمرود، فأمرهم أن يخلّوا سبيله و سبيل ماشيته و ماله، و أن يخرجوه، و
قال: إنّه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم و أضرّ بآلهتكم» [1].
و أشارت الآية التالية إلى أحد أهمّ مواهب اللّه لإبراهيم، و هي هبته الولد
الصالح، و النسل المفيد، فقالت: وَ
وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً[2] وَ كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ فقد مرّت أعوام طوال و إبراهيم في لهفة و انتظار للولد
الصالح، و الآية (100) من سورة الصافات ناطقة بأمنيته الباطنية هذه: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ. و أخيرا استجاب له ربّه، فوهبه إسماعيل أوّلا، و من بعد إسحاق، و كان كلّ
منهما نبيّا عظيم الشخصيّة.
إنّ التعبير ب «نافلة»- و الذي يبدو أنّه وصف ليعقوب خاصّة- من جهة أنّ
إبراهيم عليه السّلام كان قد طلب الولد الصالح فقد، فأضاف اللّه إلى مراده حفيدا
صالحا أيضا، لأنّ النافلة في الأصل تعني الهبة أو العمل الإضافي.
و تشير الآية الأخيرة إلى مقام إمامة و قيادة هذا النّبي الكبير، و إلى جانب
من صفات الأنبياء و مناهجهم المهمّة القيّمة بصورة جماعية.
لقد عدّت في هذه الآية ستّة أقسام من هذه الخصائص، و إذا أضيف إليها وصفهم
بكونهم صالحين- و الذي يستفاد من الآية السابقة- فستصبح سبعة.
و يحتمل أيضا أن يكون مجموع الصفات الست التي ذكرت في هذه الآية تفصيلا
[1]- روضة الكافي، طبقا لنقل الميزان،
في ذيل الآيات مورد البحث.
[2]- عدم ذكر إسماعيل هنا مع أنّه كان
أوّل ولد إبراهيم، ربّما كان من أجل أنّ ولادة إسحاق من أمّ عقيم و عجوز، كانت
تبدو مسألة عجيبة للغاية، في حين أنّ ولادة إسماعيل من أمّه هاجر لم يكن عجيبا.