يسأل من الأصنام المحطّمة الأيدي و الأرجل عمّن فعل بها ذلك، لا من الصنم
الكبير لأنّ ضمير (هم)، و كذلك ضمائر «إن كانوا ينطقون» كلّها بصيغة الجمع، و هذا
أنسب مع التّفسير الأوّل [1].
لقد هزّت كلمات إبراهيم الوثنيين و أيقظت ضمائرهم النائمة الغافلة، و أزاح
الرماد عن شعلة النّار فأضاءها، و أنار فطرتهم التوحيديّة من خلف حجب التعصّب و
الجهل.
في لحظة سريعة استيقظوا من هذا النوم العميق و رجعوا إلى فطرتهم و وجدانهم،
كما يقول القرآن: فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا
إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ[2] فقد ظلمتم أنفسكم و مجتمعكم الذي تنتمون إليه، و كذلك ساحة
اللّه واهب النعم المقدّسة.
و الطريف في الأمر أنّنا قرأنا في الآيات السابقة أنّهم اتّهموا إبراهيم بكونه
ظالما، و هنا قبلوا و اعترفوا في أنفسهم بأنّ الظالم الأصلي و الحقيقي هو أنفسهم.
و في الواقع فإنّ كلّ مراد إبراهيم من تحطيم الأصنام تحطيم فكر الوثنية و روح
الصنمية، لا تحطيم الأصنام ذاتها، إذ لا جدوى من تحطيمها إذا صنع الوثنيّون
العنودون أصناما أكبر منها و جعلوها مكانها، و توجد أمثلة كثيرة لهذه المسألة في
تأريخ الأقوام الجاهلين المتعصّبين.
إلى الآن استطاع إبراهيم أن يجتاز بنجاح مرحلة حسّاسة جدا من طريق تبليغه
الرسالة، و هي إيقاظ الضمائر عن طريق إيجاد موجة نفسيّة هائجة.
و لكن للأسف، فإنّ صدأ الجهل و التعصّب و التقليد الأعمى كان أكبر من أن يصقل
و يمحى تماما بنداء بطل التوحيد.