و من أجل أن يثبت إبراهيم جديّة هذه المسألة، و أنّه ثابت على عقيدته إلى أبعد
الحدود، و أنّه يتقبّل كلّ ما يترتّب على ذلك بكلّ وجوده، أضاف: وَ تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ
تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ.
«أكيدنّ» مأخوذة من الكيد، و هو التخطيط
السري، و التفكير المخفي و كان مراده أن يفهمهم بصراحة بأنّني سأستغلّ في النهاية
فرصة مناسبة و احطّم هذه الأصنام.
إلّا أنّ عظمة و هيبة الأصنام في نفوسهم ربّما كانت قد بلغت حدّا لم يأخذوا
معه كلام إبراهيم مأخذ الجدّ، و لم يظهروا ردّ فعل تجاهه، و ربّما ظنّوا بأنّ أي
إنسان لا يسمح لنفسه أن يهزأ و يسخر من مقدّسات قوم تدعم حكومتهم تلك المقدّسات
تماما، بأيّة جرأة؟ و بأيّة قوّة؟! و من هنا يتّضح أنّ ما قاله بعض المفسّرين من
أنّ هذه الجملة قد قالها إبراهيم سرّا في نفسه، أو بيّنها لبعض بصورة خاصّة لا
داعي له، خاصّة و أنّه مخالف تماما لظاهر الآية. إضافة إلى أنّنا سنقرأ بعد عدّة
آيات أنّ عبّاد الأصنام قد تذكّروا قول إبراهيم، و قالوا: سمعنا فتى كان يتحدّث عن
مؤامرة ضدّ الأصنام.
على كلّ حال، فإنّ إبراهيم نفّذ خطّته في يوم كان معبد الأوثان خاليا من الناس
و لم يكن أحد من الوثنيين حاضرا.
و توضيح ذلك: إنّه طبقا لنقل بعض المفسّرين، فإنّ عبدة الأوثان كانوا قد
اتّخذوا يوما خاصّا من كلّ سنة عيدا لأصنامهم، و كانوا يحضرون الأطعمة عند أصنامهم
في المعبد في ذلك اليوم، ثمّ يخرجون من المدينة أفواجا، و كانوا يرجعون في آخر
النهار، فيأتون إلى المعبد ليأكلوا من ذلك الطعام الذي نالته البركة في اعتقادهم.
و كانوا قد عرضوا على إبراهيم أن يخرج معهم، إلّا أنّه اعتذر بالمرض و لم