على كلّ حال، فإنّ إبراهيم من دون أن يحذر من مغبّة هذا العمل و ما سيحدث من
غضب عبدة الأصنام العارم، دخل الميدان برجولة و توجّه إلى حرب هذه الآلهة الجوفاء-
التي لها أنصار متعصّبون جهّال- بشجاعة خارقة و حطّمها بصورة يصفها القرآن فيقول: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ و كان هدفه من تركه لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ[1].
ملاحظتان
1- الصنميّة في أشكال متعدّدة
صحيح أنّ أذهاننا تنصرف من لفظ عبادة الأصنام إلى الأصنام الحجرية و الخشبية
على الأكثر، إلّا أنّ الصنم و الصنمية- من وجهة نظر- لها مفهوم واسع يشمل كلّ ما
يبعد الإنسان عن اللّه، بأي شكل و صورة كان، حيث
يقول الحديث المعروف: «كلّما شغلك
عن اللّه فهو صنمك».
و
في حديث عن الأصبغ بن نباته- و هو أحد أصحاب الإمام علي عليه السّلام
المعروفين أنّه قال: انّ عليا عليه السّلام
مرّ بقوم يلعبون الشطرنج، فقال: «ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لقد عصيتم
اللّه و رسوله» [2].
[1]- قال كثير من المفسّرين: إنّ مرجع
ضمير (إليه) إلى إبراهيم، و قال البعض أنّ المراد هو الصنم الكبير، إلّا أنّ
الأوّل يبدو هو الأصحّ.
أمّا ما نقرؤه في الآية آنفة الذكر من أنّه كان أكبرهم، فيمكن أن يكون إشارة
إلى كبره الظاهري، أو إشارة إلى احترامه من قبل عبّاد الأصنام الخرافيين، أو إلى
الإثنين معا.