سيكون دليلا على بطلان ادّعائه. فيجيبهم القرآن في أوّل آية بجملة قصيرة
فيقول:
وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ.
إنّ قانون الخلقة هذا لا يقبل التغيير، أي أنّه لا يكتب لأحد الخلود، و إذا
كان هؤلاء يفرحون بموتك: أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ
الْخالِدُونَ.
ربّما لا نحتاج إلى توضيح أنّ بقاء الشريعة و الدين لا يحتاج إلى بقاء الرسول.
فإنّ شرائع إبراهيم و موسى و عيسى عليه السّلام و إن لم تكن خالدة، إلّا أنّها
بقيت بعد وفاة هؤلاء الأنبياء العظام (و بالنسبة لعيسى فإنّ شريعته استمرت بعد
صعوده إلى السّماء) لقرون طويلة. و بناء على هذا فإنّ خلود المذهب لا يحتاج إلى
حراسة النّبي الدائمة له، فمن الممكن أن يستمر خلفاؤه في إقامة دينه و السير على خطاه.
و أمّا ما تصوّره أولئك من أنّ كلّ شيء سينتهي بموت النّبي صلى اللّه عليه و
آله و سلم فإنّهم أخطأوا في ظنّهم، لأنّ هذا الكلام يصحّ في المسائل التي تقوم
بالشخص.
و الإسلام لم يكن قائما بالنّبي و لا بأصحابه. فقد كان دينا حيّا- ينطلق
متقدّما بحركة الذاتية الداخلية و يخترق حدود الزمان و المكان و يواصل طريقه! ثمّ
يذكر قانون الموت العامّ الذي يصيب كلّ النفوس بدون استثناء فيقول:
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ.
و يجب أن نذكّر بأنّ لفظة (النفس) قد استعملت في القرآن بمعان مختلفة، فأوّل
معنى للنفس هو الذات، و هذا المعنى واسع يطلق حتّى على ذات اللّه المقدّسة، كما
نقرأ: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ[1].
ثمّ استعملت هذه الكلمة في الإنسان، أي مجموع جسمه و روحه، مثل: