في الوقت الذي لا يعترف المادّيون بهدف للخلق، لأنّهم يعتقدون أنّ الطبيعة
الفاقدة للعقل و الشعور و الهدف هي التي ابتدأت الخلق، و لهذا فإنّهم يؤيّدون
اللغوية و عدم الفائدة في مجموعة الوجود، فإنّ الفلاسفة الإلهيين و إتباع الأديان
جميعا يعتقدون بوجود هدف سام للمخلوقات، لأنّ المبدئ للخلق قادر و حكيم و عالم،
فمن المستحيل أن يقوم بعمل لا فائدة فيه.
و هنا ينقدح هذا السؤال: ما هو الهدف؟
قد نتوهّم أحيانا نتيجة قياس اللّه سبحانه على ذواتنا و أنفسنا و نتساءل: هل
كان اللّه محتاجا و ينقصه شيء، و كان يريد بخلق الوجود، و من جملته الإنسان، أن
يسدّ ذلك النقص و يرفع تلك الحاجة؟
هل هو محتاج لعبادتنا و دعائنا و مناجاتنا؟ هل كان يريد أن يعرف فخلق الخلق
ليعرف؟
إلّا أنّ هذا كما قلنا خطأ كبير ناشئ من المقارنة بين اللّه و خلقه، في حين
أنّ هذه المقارنة و القياس غير الصحيح هو أكبر سدّ و مانع في بحث معرفة صفات
اللّه، و لذلك فإنّ أوّل أصل في هذا البحث هو أن نعلم أنّ اللّه سبحانه لا يشبهنا
في أي شيء.
فالإنسان موجود محدود من كلّ النواحي، و لذلك فإنّ كلّ مساعينا هي من أجل رفع
نواقصنا و احتياجاتنا، ندرس لنتعلّم فنمحو نقص جهلنا، و نسعى للعمل و الكسب لدفع
الفقر و نكسب الثروة، نهيّئ الجيوش و القوى لنسدّ النقص في قوانا أمام العدوّ، و
حتّى في الأمور المعنوية أو تهذيب النفس أو التكامل المعنوي و الروحي، فإنّ السعي
و الجدّ في كلّ ذلك من أجل رفع النواقص ...
و لكن، هل من المعقول أن يقوم الوجود المطلق غير المتناهي في كلّ الجهات