... نعم، إنّ الهدف هو بيان قدرة الخالق الجليل، و إبراز جانب من عظمته من
جهة، و من جهة أخرى ليكون دليلا على المعاد، و إلّا فإنّ كلّ هذه الضجّة و الغوغاء
إن كانت لبضعة أيّام فلا معنى لها.
هل يمكن أن يبني الإنسان قصرا في وسط صحراء، و يجهّزه بكلّ الوسائل، و ذلك من
أجل أن يستريح فيه ساعة واحدة- طول عمره- عند مروره عليه؟
بعبارة موجزة: إذا نظرنا إلى هذا العالم العظيم من منظار الكفّار، فسنراه لا
فائدة فيه و لا هدف منه، و الإيمان بالمبدأ و المعاد هو الذي يجعل له معنى و غاية.
ثمّ تقول الآية التالية: الآن و قد ثبت أنّ العالم له هدف فإنّه لا ريب في أنّ
الهدف من هذا الخلق لم يكن أن يلهو اللّه سبحانه و تعالى عن ذلك، فإنّ هذا اللهو
غير معقول، ف لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً
لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ.
«اللعب» يعني العمل الغير هادف، و
«اللهو» إشارة إلى الأهداف غير المعقولة و الملاهي.
هذه الآية تبيّن حقيقتين:
الأولى: أنّه بملاحظة كلمة (لو)، و هي في لغة العرب للامتناع، فهي تشير إلى
أنّ من المحال أن يكون هدف اللّه هو اللهو.
و الأخرى: إنّه على فرض أنّ الهدف هو اللهو، فيجب أن يكون لهوا مناسبا لذاته،
كأن يكون من عالم المجردات و أمثال ذلك، لا من عالم المادّة المحدود [1].
ثمّ تقول بلهجة قاطعة من أجل إبطال أوهام الجاهلين الذين يظنّون عدم
[1]- اعتبر بعض المفسّرين الآيات
إعلاء إشارة إلى نفي عقائد المسيحيين، أي اعتقدوا أنّ اللهو بمعنى الزوج و الزوجة
و الولد.
و قالوا: إنّ الآية تجيب هؤلاء و تقول: إنّنا إذا كنّا نريد أن نختار الصاحبة و
الولد فلم نكن ننتخبهما من جنس البشر.
إلّا أنّ هذا التّفسير لا يبدو مناسبا من عدّة جهات، و من جملتها أنّ ارتباط
الآيات أعلاه بالآيات السابقة سينقطع، و الأخرى أنّ كلمة «اللهو» و خاصة إذا كانت
بعد كلمة اللعب، تعني التسليّ لا المرأة و الولد.