و الجميل هنا أنّه قد ركّز على المسكن خاصّة من بين كلّ النعم الماديّة، و
ربّما كان ذلك بسبب أنّ أوّل وسائل استقرار الإنسان هو وجود سكن مناسب. أو أنّ
الإنسان يصرف أكثر مورد حياته في بيته، و كذلك فإنّ أشدّ تعلّقه إنّما يكون
بمسكنه.
على كلّ حال، فإنّ هؤلاء يعون في هذا الوقت حقيقة الأمر، و يرون ما كانوا
يظنّونه مزاحا من قبل قد تجلّى أمامهم بصورة جديّة تماما، فتعلو صرختهم:
قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ.
إلّا أنّ هذا الوعي الاضطراري للإنسان عند ما يواجه مشاهد العذاب لا قيمة له،
و لا يؤثّر في تغيير مصير هؤلاء، و لذلك فإنّ القرآن في آخر آية من الآيات محلّ
البحث يضيف: فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى
جَعَلْناهُمْ حَصِيداً فيلقونهم على الأرض كالزرع
المحصود، و تبدّل مدينتهم التي غمرتها الحياة و الحركة و العمران إلى قبور مهدّمة
مظلمة، فيصبحوا خامِدِينَ[1].
[1]- خامد من مادّة الخمود، بمعنى
انطفاء النّار، ثمّ أطلقت على كلّ شيء يفقد حركته و فاعليّته و نشاطه.