على كلّ حال، فإنّ هؤلاء قد أكّدوا على مسألتين في أقوالهم: إحداهما: كون
النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بشرا، و الأخرى: تهمة السحر، و ستأتي
الاتّهامات الاخرى في الآيات التالية أيضا، و يتصدّى القرآن الكريم لجوابها.
إلّا أنّ القرآن يجيبهم بصورة عامّه على لسان النّبي صلى اللّه عليه و آله و
سلم فيقول: قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي
السَّماءِ وَ الْأَرْضِ فلا تتصوّروا أنّ نجواكم و
مؤامراتكم المخفيّة تخفى عليه وَ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فهو يعلم كلّ شيء، و مطّلع
على كلّ شيء، فلا يسمع كلامكم و حسب، بل هو مطّلع حتى على الأفكار التّي تمرّ في
أذهانكم، و القرارات التي في صدوركم.
بعد ذكر نوعين من تذرّعات المخالفين، يتطرّق القرآن إلى ذكر أربعة أنواع أخرى
منها، فيقول: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ[1] و هم يعتقدون
أنّها حقيقة.
و قد يغيّرون كلامهم هذا أحيانا فيقولون: بَلِ افْتَراهُ و نسبه
إلى اللّه.
و يقولون أحيانا: بَلْ هُوَ شاعِرٌ، و هذه الآيات مجموعة من خيالاته الشعرية.
و في المرحلة الرّابعة يقولون: إنّا نتجاوز عن كلّ ذلك فإذا كان مرسلا من
اللّه حقّا فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ
الْأَوَّلُونَ.
إنّ التحقيق في هذه الادّعاءات المتضادّة المتناقضة في حقّ النّبي صلى اللّه
عليه و آله و سلم سيوضّح أنّها بنفسها دليل على أنّهم لم يكونوا طلّاب حقّ، بل كان
هدفهم خلق الأعذار، و إخراج خصمهم من الحلبة بأيّة قيمة و ثمن، و بأي صورة كانت.
فهم يعتبرونه ساحرا تارة، و أخرى شاعرا، و ثالثة مفتريا، و أخرى إنسانا
[1]- «أضغاث» جمع ضغث، و هو حزمة
الحطب أو الأعشاب اليابسة و ما شاكل ذلك، و «الأحلام» جمع حلم و هو المنام و
الرؤية، و لمّا كان جمع حزمة حطب يحتاج أن يجمعوا عدّة أشياء متفرّقة إلى بعضها،
فإنّ هذا التعبير اطلق على المنامات المضطربة المتفرّقة.