و قال البعض الآخر: إنّ هذا التعبير لكون القيامة موجودة، كما نرى ذلك في
المثل السائر كلّ ما هو آت قريب.
و لا منافاة بين هذين التّفسيرين و يمكن أن تكون الآية إشارة إلى كلا الأمرين.
و احتمل بعض المفسّرين- كالقرطبي- أن يكون الحساب هنا إشارة إلى «القيامة
الصغرى»، أي الموت، لأنّ جزءا من المحاسبة و جزاء الأعمال يصل إلى الإنسان حين
الموت [1] إلّا
أنّ ظاهر الآية ناظر إلى القيامة الكبرى.
ثمّ تبيّن الآية التالية علامة من علامات إعراض هؤلاء بهذه الصورة: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ
إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ فلم
يتّفق لهم أن يتدبّروا ساعة في كلام اللّه المجيد، و يتأمّلوا في آياته بجدّية، و
يحتملوا- على الأقل- أن تكون مؤثّرة في حياتهم و عاقبة أمرهم و مصيرهم. فهم لا
يفكّرون في الحساب الإلهي، و لا في تحذيرات اللّه سبحانه.
و أساسا فإنّ أحد أسباب شقاء الجهلة و المتكبّرين هو اتّخاذهم النصائح و مواعظ
الأخيار لهوا و لعبا دائما، و هذا هو السبب في عدم تنبّههم من غفلتهم، في حين
أنّهم لو تعاملوا بصورة جديّة مع تلك النصائح و لو مرّة واحدة، فربّما تغيّر مسير
حياتهم في تلك اللحظة! كلمة «ذكر» في الآية إشارة إلى كلّ كلام منبّه يوقظ
الغافلين، و التعبير ب (محدث) إشارة إلى أنّ الكتب السماوية كانت تنزل الواحد تلو
الآخر، و تحتوي كلّ سورة من سور القرآن، و كلّ آية من آياته محتوى جديدا ينفذ إلى
قلوب الغافلين بطرق مختلفة، لكن أي فائدة مع من يتّخذ كلّ ذلك هزوا؟