إنّ عمل هؤلاء يدلّ على أنّ هذه الغفلة عمّت كلّ وجودهم، و إلّا فكيف يمكن
للإنسان أن يؤمن باقتراب الحساب .. الحساب الدقيق المتناهي في الدقّة، و مع كلّ
ذلك لا يكترث بالأمور و يرتكب أنواع الذنوب!! كلمة (اقترب) لها دلالة على التأكيد
أكثر من (قرب) و هي إشارة إلى أنّ هذا الحساب قد أصبح قريبا جدّا.
و التعبير ب (الناس) و إن كان يشمل عموم الناس ظاهرا، و هو يدلّ على أنّ
الجميع في غفلة، إلّا أنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ الذين لهم قلوب واعية يقظة على
الدوام، و يفكّرون بالحساب و يعملون له فهم مستثنون من هذا العموم.
و الجميل في الأمر أنّه يقول: اقترب الحساب للناس، لا أنّ الناس اقتربوا
للحساب، فكأنّ الحساب يسرع لاستقبال الناس.
ثمّ إنّ الفرق بين «الغفلة» و «الإعراض» يمكن أن يكون من جهة أنّ هؤلاء غافلون
عن اقتراب الحساب، و هذه الغفلة هي تسبّب الإعراض عن آيات اللّه سبحانه، ف «الغفلة
عن الحساب» علّة في الحقيقة، و «الإعراض عن الحقّ» معلول لتلك العلّة. أو أنّ
المراد هو الإعراض عن نفس الحساب، و عن الاستعداد للإجابة في تلك المحكمة الكبرى،
أي إنّهم لمّا كانوا غافلين، فإنّهم لا يهيّؤون أنفسهم لذلك و يعرضون عنه.
و هنا يأتي سؤال، و هو: ما معنى اقتراب الحساب و القيامة؟
لقد قال البعض: إنّ المراد منه هو أنّ ما بقي من الدنيا قليل في مقابل ما مضى
منها، و لهذا فإنّ القيامة ستكون قريبة- قربا نسبيّا- خاصة و أنّه
قد روي عن الرّسول الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّه قال: «بعثت أنا و الساعة كهاتين» [1]