و عند ما وصل
هذا الخبر إلى المسلمين و إلى النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله أمر النبيّ صلى
الله عليه و آله المسلمين بأن يستعدوا لمواجهة هذا العدو و بالتحرك باتجاهه و لا
يجلسوا في المدينة بانتظار قدومه، و كانت هذه الاستراتيجية العسكرية مناسبة جدّاً
لهذه الواقعة لأنه ليس من المناسب التقعقع في حالة دفاعية و انفعالية اتجاه هذا
الخطر بل ينبغي أن يقابل هذا الهجوم بهجوم آخر.
و اتفق في
زمن وقوع هذه الحرب أنها كانت في أجواءٍ صعبة و غير مناسبة لأنها من جهة كانت
حرارة الصيف على أشدها في الحجاز، و من جهة اخرى فإن المحصولات الزراعية لهذه
السنة على و شك النضج و قد فرغت المخازن الغذائية للسنة الماضية لدى المسلمين، و
من جهة ثالثة فإنّ الفاصل بين المدينة و منطقة تبوك فاصلة كبيرة جداً حيث ينبغي
على المسلمين طي هذا المسير مشياً على الأقدام غالباً لأنه لم يكن لكلّ عشرة أشخاص
سوى مركب واحد، و على هذا الأساس عليهم أن يتناوبوا في الركوب، و على أية حال فقد
صدر الأمر بالتوجه إلى منطقة تبوك فجمعوا ما تبقى لديهم من الأغذية من قبيل بعض
التمر اليابس و قد يكون فاسداً أيضاً و توجه المسلمون بجيش بلغ مقداره ثلاثين ألف
شخص بقيادة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى تبوك. و كان العطش و الجوع يلم
بجيش الإسلام و قد تورمت أقدام الكثير منهم بسبب المشي في الصحراء المحرقة و لكنهم
و بالرغم من هذه الصعاب و المشاكل استمروا في طريقهم و قد تحمل جنود الإسلام في
ذهابهم و إيابهم الكثير من الصعاب و واجهوا تحديات الواقع المفروض عليهم و لهذا
سمّي هذا الجيش ب «جيش العسرة» [1].
[1] بدون شك لو لا تلك الاستقامة و الصبر من
المسلمين في تلك الواقعة لم يكن الإسلام يصل إلينا بالتأكيد. و لهذا لا ينبغي
التساهل في أمر حفظ هذا الدين لأنه لم يصل إلينا بيسر.