responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الذريعة إلى حافظ الشريعة نویسنده : رفيع الدين محمد الجيلاني    جلد : 1  صفحه : 169

يؤفكون.

فكِّر يا مفضّل في طلوع الشمس وغروبها لإقامة دولتي النهار والليل، فلولا طلوعها لبطل أمر العالم كلّه، فلم يكن الناس يسعون في معائشهم، ويتصرّفون في امورهم، والدنيا مظلمة عليهم، ولم يكونوا يتهنّأُون بالعيش مع فَقْدهم لذّة النور وروحه، والإرب في طلوعها ظاهر مستغنى بظهوره عن الإطناب في ذكره والزيادة في شرحه، بل تأمّل المنفعةَ في غروبها، فلولا غروبها لم يكن للناس هدوء ولا قرار مع عِظَم حاجتهم إلى الهدوء والراحة بسكون أبدانهم وجموم‌ [1] حواسّهم، وانبعاث القوّة الهاضمة لهضم الطعام وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء، ثمّ كان الحرص يستحملهم من مداومة العمل ومطاولته على ما يعظم نكايته في أبدانهم؛ فإنّ كثيراً من الناس لولا جثوم هذا الليل بظلمته عليهم لم يكن لهم هدوء ولا قرار، حرصاً على الكسب والجمع والادّخار، ثمّ كانت الأرض تستحمي بدوام الشمس بضيائها، ويحتمي كلّ ما عليها من حيوانٍ ونبات، فقدّرها اللَّه بحكمته وتدبيره، تطلع وقتاً وتغرب وقتاً، بمنزلة سراج يرفع لأهل البيت تارةً ليقضوا حوائجهم، ثمّ يغيب عنهم [مثل ذلك‌] ليهدؤوا ويقرّوا، فصار النور والظلمة مع تضادّهما منقادين متظاهرين على ما فيه صلاح العالم وقوامه.

[ثمّ‌] فكِّر بعد هذا في ارتفاع الشمس وانحطاطها لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة، وما في ذلك من التدبير والمصلحة؛ ففي الشتاء تعود الحرارة في الشجر والنبات، فيتولّد فيها موادّ الثمار ويستكشف‌ [2] الهواء، فينشأ منه السحاب والمطر، وتشتدّ أبدان الحيوان وتقوى، وفي الربيع تتحرّك وتظهر الموادّ المتولّدة في الشتاء، فيطلع النبات، وتنور الأشجار، ويهيج الحيوان للسفاد، وفي الصيف يحتدم‌ [3] الهواء، فتنضج الثمار، وتتحلّل فضول الأبدان، ويجفّ وجه الأرض، فيتهيّأ للبناء والأعمال،


[1]. الجموم مصدر جمّ، تقول: جمّ القوم: استراحوا وكثروا.

[2]. في المصدر: «يتكشّف» أي يغلظ ويكثر. وهو الأصحّ والأنسب.

[3]. الاحتدام: شدّة الحرّ. لسان العرب، ج 12، ص 117 (حدم).

نام کتاب : الذريعة إلى حافظ الشريعة نویسنده : رفيع الدين محمد الجيلاني    جلد : 1  صفحه : 169
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست