أنبيائهم معاصي
كثيرة ، والعهد القديم يذكر ذنوب الأنبياء التي يصل بعضها إلى حد الكبائر ، وربّما
يخجل القلم عن ذكر بعضها استحياء ، فالأنبياء عندهم عصاة خاطئون ، وعند ذلك لا
تكون أحبار اليهود مبدعين لهذه المسألة.
نعم انّ علماء النصارى ، وإن كانوا
ينزهون المسيح من كل عيب وشين ، ولكن تنزيههم ليس بملاك انّ المسيح بشر أرسل
لتعليم الإنسان وإنقاذه ، بل هو عندهم « الإله المتجسد » أو هو ثالث ثلاثة.
وعند ذلك لا يمكن أن يكون علماؤهم
مبدعين لهذه المسألة في الأبحاث الكلامية ، لأنّ موضوع العصمة هو « الإنسان ».
ويذكر « المستشرق رونالدسن » في كتابه «
عقيدة الشيعة » انّ فكرة عصمة الأنبياء في الإسلام مدينة في أصلها وأهميتها التي
بلغتها بعدئذ ، إلى تطور « علم الكلام » عند الشيعة وأنّهم أوّل من تطرق إلى بحث
هذه العقيدة ووصف بها أئمتهم ، ويحتمل أن تكون هذه الفكرة قد ظهرت في عصر الصادق ،
بينما لم يرد ذكر العصمة عند أهل السنة إلاّ في القرن الثالث للهجرة بعد أن كان
الكليني قد صنّف كتابه « الكافي في أُصول الدين » [١] وأسهب في موضوع العصمة.
ويعلّل « رونالدسن » بأنّ الشيعة لكي
يثبتوا دعوى الأئمّة تجاه الخلفاء السنيّين أظهروا عقيدة عصمة الرسل بوصفهم أئمّة
أو هداة [٢].
[١] لقد توفي محمد
بن يعقوب الكليني في العقد الثالث من القرن الرابع أي عام ٣٢٨ ه ، فلو استفحلت
مسألة العصمة في القرن الثالث عند أهل السنّة حسب اعتراف الرجل ، فكيف يكون كتاب
الكافي منشئاً لهذه الحركة الفكرية ، أفهل يمكن تأثير المتأخر في المتقدم ، وهل
يكون العائش في القرن الرابع مؤثراً في فكر من يعيش في القرن الثالث ، أضف إليه
أنّ كتاب الكافي لم يؤلف في الأُصول وحدها ، بل هو كتاب مشتمل على أحاديث تربو على
ستة عشر ألف حديث حول أُصول الدين وفروعه.