تعرّفه على
الموضوعات والجزئيات التي تعد ركناً ثانياً للقضاء الصحيح ، فالعلم بالحكم الكلي
الشرعي وتشخيص الصغريات وتمييز الموضوعات جناحان للقاضي يحلّق بهما في سماء القضاء
بالحق من دون أن يجنح إلى جانب الباطل ، أو يسقط في هوّة الضلال.
قال العلاّمة الطباطبائي : إنّ المراد
من قوله سبحانه : (وَعَلَّمَكَ
مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ) ليس علمه بالكتاب والحكمة ، فإنّ مورد
الآية ، قضاء النبي في الحوادث الواقعة ، والدعاوى المرفوعة إليه ، برأيه الخاص ،
وليس ذلك من الكتاب والحكمة بشيء ، وإن كان متوقفاً عليهما ، بل المراد رأيه ونظره
الخاص [١]. ولما كان
هنا موضع توهم وهو أنّ رعاية الله لنبيّه تختص بمورد دون مورد ، دفع ذلك التوهم
بالفقرة الرابعة فقال سبحانه : (وَكَانَ
فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) حتى لا
يتوهم اختصاص فضله عليه بواقعة دون أُخرى ، بل مقتضى عظمة الفضل ، سعة شموله لكل
الوقائع والحوادث ، سواء أكانت من باب المرافعات والمخاصمات ، أم الأُمور العادية
، فتدل الفقرة الأخيرة على تعرّفه على الموضوعات ومصونيته عن السهو والخطاء في
مورد تطبيق الشريعة ، أو غيره ، ولا كلام أعلى وأغزر من قوله سبحانه في حق حبيبه :
(وَكَانَ فَضْلُ اللهِ
عَلَيْكَ عَظِيمًا).
٢. قال سبحانه : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً
وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ
شَهِيدًا)[٢] إنّ الشهادة
المذكورة في الآية حقيقة من الحقائق القرآنية تكرر ذكرها في كلامه سبحانه ، قال
تعالى : (فَكَيْفَ إِذَا
جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلاءِ
شَهِيدًا)[٣] ، وقال
تعالى : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن