فالأُولى
منها : تدل على أنّ نفس النبيّ بمجردها لا
تصونه من الضلال ( أي من القضاء على خلاف الحق ) وإنّما يصونه سبحانه عنه ، ولولا
فضل الله ورحمته لهمّت طائفة أن يرضوه بالدفاع عن الخائن والجدال عنه ، غير أنّ
فضله العظيم على النبي هو الذي صدّه عن مثل هذا الضلال وأبطل أمرهم المؤدي إلى
إضلاله ، وبما أنّ رعاية الله سبحانه وفضله الجسيم على النبي ليست مقصورة على حال
دون حال ، أو بوقت دون وقت آخر ، بل هو واقع تحت رعايته وصيانته منذ أن بعث إلى أن
يلاقي ربَّه ، فلا يتعدى إضلال هؤلاء أنفسهم ولا يتجاوز إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فهم الضالون بما هموا به كما قال : (وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا
يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ).
والفقرة
الثانية : تشير إلى مصادر حكمه ومنابع قضائه ،
وأنّه لا يصدر في ذلك المجال إلاّ عن الوحي والتعليم الإلهي ، كما قال سبحانه : (وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
وَالحِكْمَةَ) والمراد المعارف الكلية العامة من
الكتاب والسنة.
ولما كان هذا النوع من العلم الكلي أحد
ركني القضاء وهو بوحده لا يفي بتشخيص الموضوعات وتمييز الصغريات ، فلابد من الركن
الآخر وهو تشخيص المحق من المبطل ، والخائن من الأمين ، والزاني من العفيف ، أتى
بالفقرة الثالثة وقال : (وَعَلَّمَكَ
مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ) ومقتضى العطف ، مغائرة المعطوف ، مع
المعطوف عليه ، فلو كان المعطوف عليه ناظراً إلى تعرّفه على الركن الأوّل وهو
العلم بالأُصول والقواعد الكلية الواردة في الكتاب والسنّة ، يكون المعطوف ناظراً
إلى