لا يخوضون في المراد
منها حذراً ممّا يسمى ب « وصمة التأويل ».
فعقيدة هؤلاء في الصفات الخبرية أنّ لله
سبحانه يداً وعيناً واستواءً على العرش ، لكن لا نعلم كنهها ، وفي مقدم هؤلاء مالك
بن أنس ، وقد سئل عن معنى قوله سبحانه : (الرَّحْمَٰنُ
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ) أنّه كيف
استوى ؟ فقال في جواب السائل : ما أظنّك إلاّ صاحب بدعة ، فالاستواء مذكور ،
والكيف مجهول ، والإيمان به واجب. وفي رواية : والكيف غير معقول.
فلو صحت نسبة هذا الكلام إلى إمام
المالكية ، فهو بلا شك من المعطّلة ، خصوصاً إذا كانت الرواية على قوله : « الكيف
مجهول » ، فهو يعتقد أنّ لله سبحانه جلوساً على العرش ، لكن مجهولاً كنهه أو
محالاً دركه ، فيجب الإيمان به لا السؤال عن حقيقته ، فيتوجه السؤال إلى إمام
المذهب المالكي أنّه لماذا هجم على السائل بقوله ما أظنّك إلاّ صاحب بدعة ؟! مع
أنّ وظيفة العالم إرشاد الجاهل لا الهجوم عليه بكلمة لاذعة ، كما أنّه يتوجه إليه
أنّ الآية ونظائرها تصبح عند ذاك من الألغاز الّتي لا يفهم معناها ، بل يجب
الإيمان بها ، ومع ذلك كلّه فقد راج هذا المذهب بعد ما رجع الإمام الأشعري من مذهب
الاعتزال إلى مذهب المحدّثين ، وفي مقدمهم أحمد بن حنبل ، يقول ابن خلكان : كان
أبوالحسن الأشعري أوّلاً معتزلياً ، ثم تاب من القول بالعدل ، وخلق القرآن في
المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة ورقى كرسياً ونادى بأعلى صوته : من عرفني فقد عرفني
ومن لم يعرفني فأنا أُعرفه بنفسي ، أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن ، وإنّ
الله لا تراه الأبصار ، وإنَّ أفعال الشر أنا أفعلها وأنا تائب مقلع ، معتقد للرد
على المعتزلة مخرج لفضائحهم ومعايبهم [١].