وبهذا يظهر أنَّ الصفات الخبرية الواردة
في القرآن كالوجه وغيره لها حكم عند الإفراد ، ولها حكم آخر إذا ما جاءت في ضمن
الجمل ، فلا يصحّ حملها على المعاني اللغوية إذا كانت هناك قرائن صارفة عنها ،
فإذا قال سبحانه : (وَلا
تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ
الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)[١] ، فيحمل على ما هو المتبادر من الآية
عند العرف العام ، أعني : الإسراف والتقتير ، فبسط اليد كناية عن الإنفاق بلا شرط
، كما أنّ جعل اليد مغلولة إلى العنق كناية عن البخل والتقتير ، ولا يعني به بسط
اليد بمعنى مدّها ، ولا غلّ اليد إلى العنق بمعنى شدّها إليه.
وعلى هذا يجب أن يفسر قوله سبحانه : (الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ
اسْتَوَىٰ)[٢]
، فالعرش في اللغة هو السرير ، والاستواء عليه هو الجلوس ، غير أنَّ هذا حكم
مفرداتها ، وأمّا معنى الجملة فيتفرع الاستظهار منها ، على القرائن الحافة بها ،
فالعرب الأقحاح لا يفهمون منها سوى العلو والاستيلاء ، وحملها على غير ذلك يعد
تصرّفاً في الظاهر ، وتأويلاً لها ، فإذا سمع العرب قول القائل :
قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ودم مهراق
أو سمع قول الشاعر :
ولما علونا واستوينا عليهم
تركناهم مرعى لنسر وكاسر
فلا يتبادر إلى أذهانهم سوى العلو
والسيطرة والسلطة ، لا العلو المكاني