المطلق والكمال
اللامتناهي بالمحل والجسم ، والنزول والصعود ، وخرقوا له كثيراً من الأشباه
والنظائر.
ترى كثيراً من هذه الأحاديث في مرويات
حمّاد بن سلمة ، ونعيم بن حمّاد ، ومقاتل بن سليمان ، ومن لف لفهم ، ففي مروياتهم
تلك الآثار المشينة ، وقد قلّدهم كثير من البسطاء في القرون المتأخرة ، فحسبوها حقائق
راهنة وألّفوا فيها الكتب.
وعلى هذا الأساس أُلّف كتاب « التوحيد »
لمحمد بن إسحاق بن خزيمة ( المتوفّى عام ٣٢١ ه ) ، وكتاب « السنّة » لعبد الله بن
أحمد بن حنبل ، وكتاب « النقض » لعثمان بن سعيد الدارمي السجزي المجسّم فإنّه أول
من اجترأ من المجسّمة بالقول : بأنَّ الله لو شاء لاستقرّ على ظهر بعوضة فاستقلت
به بقدرته ، فكيف على عرش بعيد [١].
ولقد عزب عن هؤلاء المساكين أنّ التفكّر
في آي الذكر الحكيم والغور في أعماقها ممّا أمر به منزّله سبحانه حيث قال : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ
لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)[٢].
وليس صرف آيات الاستواء على العرش والوجه واليد والعين وما شابهها ، عن الظاهر
المتبادر من مفرداتها ، إلى ما هو المتبادر عند أئمّة البلاغة ، تأويلاً وخروجاً
عن ظاهر الكلام ، إذ للكلمة بمفردها حكم ، وللجملة المتكوّنة من بعض الكلمات حكم
آخر.
وإن كنت في ريب من هذا فلاحظ لفظ الأسد
بمفرده ، ونفس اللفظ في قول القائل : « رأيت أسداً يرمي » ، فحملها في الجملة
الثانية على الحيوان المفترس
[١] لاحظ مقدمة
الشيخ محمد زاهد الكوثري على كتاب الأسماء والصفات للبيهقي.