وقال البيضاوي : الاُمّي لا يكتب ولا
يقرأ ، وصفه به تنبيهاً على أنّ كمال علمه مع حاله هذا ، إحدى معجزاته [١].
هذا وقد أصفقت على ما ذكرنا من المعنى
للاُمّية معاجم اللغة المؤلّفة في العصور الزاهرة بأيدي الخبراء الأساطين وفي
مقدّمهم : أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا المتوفّى عام ٣٩٥ صاحب « مقاييس اللغة
» [٢] وغيرها من
الكتب الممتعة ودونك كلامه :
« اُم » له أصل واحد يتفرع منه أربعة
أبواب وهي الأصل ، والمرجع والجماعة والدين ، قال الخليل : كل شيء تضم إليه ما
سواه مما يليه ، فإنّ العرب تسمّي ذلك اُمّاً ومن ذلك اُم الرأس : وهو الدماغ ،
اُم التنائف : أشدها وأبعدها ، اُم القرى : مكة وكل مدينة هي اُم ما حولها من
القرى ، واُم القرآن : فاتحة الكتاب واُم الكتاب ما في اللوح المحفوظ ، واُم الرمح
: لواؤه وما لف عليه ، وتقول العرب للمرأة التي ينزل عليها : اُم مثوى ، واُم كلبة
: الحمى ، واُم النجوم : السماء ، واُم النجوم : المجرّه ... إلى أن عد كثيراً من
هذه التراكيب فقال : الاُمّي في اللغة : المنسوب إلى ما عليه جبلة الناس لا يكتب ،
فهو في أنّه لا يكتب على ما ولد عليه [٣].
ومحصل كلامه أنّه ليس للاُم إلاّ مادة
واحدة وهي الأصل لغيرها ومنه يتفرع غيرها فاُم الانسان اُم لأنّها أصله وعرقه
وهكذا ...
وهذا الزمخشري إمام اللغة والبلاغة فسر
قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ
أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ
يَظُنُّونَ) بأنّهم لا يحسنون الكتاب فيطالعوا
التوراة
[١] أنوار التنزيل
وأسرار التأويل ج ٣ ص ٢٣٠ مع شرحه لاسماعيل القنوي.
[٢] بلغ ابن فارس
الغاية في الحذق باللغة ، وكنه أسرارها وفهم اُصولها ، وقد حاول في تأليف هذا
المعجم أن يوحّد المعاني المتعددة المفهومة من لفظ واحد وذلك بارجاعها إلى أصل
واحد تفرّعت عنه تلك المعاني في الاستعمال ـ وقد إنفرد من بين اللغويين بهذا
التأليف ولم يسبقه إلى مثله أحد ، ولم يخلفه غيره.