من المواشي ، وكانت
الثروات الطبيعية فيه لا تكاد تستغل باستثناء شيء قليل فيها ، وكانت أدوات الحروب
الطاحنة فيه ، لا تتجاوز السيف والسهم ، فلا يرتاب في أنّ الحياة الاجتماعية في
ذلك الدور ، لا تلتقي مع الدور الذي بلغت فيه حضارة الانسان حدّاً ، سخّر معه
الأرض والفضاء ووضع أرض القمر تحت قدميه ، واستخدم الكهرباء والبخار ، وأخذ يقطع
المسافات البعيدة بالسيارة والطائرة والصاروخ ، ويواجه العدو في جبهات الحرب
بالقنابل الذريّة والهيدروجينية ، إلى غير ذلك من الآلات القاتلة ، فكيف يمكن
لقانون واحد ، وضع لتأمين الحياة في مجتمع خاص ، أن يسود في الدورين ؟ وهل
القوانين الاجتماعية إلاّ « رد فعل » للأوضاع الاجتماعية المتطورة ، إذ كلّما
تغيرت الأوضاع الاجتماعية وتطورت ، فلابد وأن يتبعها « رد فعل » في التغير
والتبدل.
الجواب :
انّ للانسان مع قطع النظر عمّا يحيط به
من شروط العيش المختلفة ، روحيات وغرائز خاصة تلازمه ، ولا تنفك عنه ، إذ هي في
الحقيقة مشخّصات تكوينية له ، بها يتميز عن سائر الحيوانات وتلازم وجوده في كل عصر
ولا تنفك عنه بمرور الزمان.
فهاتيك الغرائز الثابتة والروحيات
الخالدة ، لا تستغني عن قانون ينظم اتجاهاتها ، وتشريع ينظمها ، وحكم يصونها عن
الافراط والتفريط ، فإذا كان القانون مطابقاً لمقتضى فطرته وصالحاً لتعديلها
ومقتضياً لصلاحها ومقاوماً لفسادها ، لزم خلوده بخلودها ، وثبوته بثبوتها.
والسائل قد قصّر النظر على ما يحيط به
من شروط العيش المختلفة المتبدّلة وذهل عن أنّ للانسان خلقاً وروحيات وغرائز ، قد
فطر عليها ، لا تنفك عنه ما دام انساناً ، وكل واحد منها يقتضي حكماً يناسبه
ولايباينه ، بل يلائمه ، ويدوم بدوامه ويثبت بثبوته عبر الأجيال والقرون.
ودونك نماذج من هذه الاُمور ليتبين لك
بأنّ التطور لا يعم جميع نواحي الحياة ، وأنّ الثابت منها يقتضي حكماً ثابتاً لا
متطوراً :