انّ هنا قرائن ثلاث لابد من البحث عنها
، كي نقرّب إلى الأذهان كيفية حمل لفظ الأمر على الأمر التكويني ، أعني النظم
والسنن الجارية في دائرة الكون والقوانين المكتوبة على جبين الدهر ودونك هذه
الشواهد :
١. لفظ التدبير ، فقد عرفت أنّه عبارة
عن الإدارة على وجه تقتضيه المصلحة والحكمة ، فهو سبحانه يدبر الخلق بعامة أجزائه
من السماء إلى الأرض ، على وجه تقتضيه المصلحة ، فسبحان الذي خلق الأشياء وأتقنها
وأحكمها ،. ودبرها على وفق الحكمة ، فلا السماء تسقط على الأرض ، ولا الأرض تنخسف
بنا ، ولا الشمس تظللنا دائماً ولا الظلمة تحيط بنا سرمداً ، إلى غير ذلك من سنن
ونظم ...
٢. سياق ما تقدمها من الآيات ، فإنّ
محور البحث في سابقها ، هو خلق السماوات والأرض واستوائه سبحانه على العرش ، ودونك
الآية المتقدمة عليها :
(اللهُ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا
شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) ( السجدة ـ ٤
). « يدبر الأمر » من السماء إلى الأرض ... أفلا تفهم من تقارن الآيتين أنّ اللام
في الأمر إشارة إلى أمر الخلقة ، وأنّ الله سبحانه خلق السماوات والأرض وما بينهما
في أيام وأدوار مخصوصة ولم يكتف سبحانه بأصل الخلقة ، بل استوى على عرش ملكه فدبّر
أمرها على وجه توجبه الحكمة وتقتضيه المصلحة ، وأنّه سبحانه يدبّر أمر الخلق ، أي
خلق تتصور وينفذه على وجهه ، حتى أنّه سبحانه توخياً للتوضيح شبّه المقام الربوبي
الذي ينزل منه التدبير ، ويصدر منه الحكم بعرش الملك البشري الذي يجلس الملك عليه
فيصدر منه أوامره لتدبير اُمور الملك ، غير أنّ أوامره طلبات عرفية اعتبارية ،
ولكن أوامره سبحانه ، أوامر تكوينية ، لا يقوم بوجهها شيء ، فما قال له كن ، فيكون
، بلا تراخ ولا تمرّد.