وإن شئت قلت : التدبير هو التفكير في
عاقبة الاُمور ودبرها ، كما قال سبحانه : (فَالمُدَبِّرَاتِ
أَمْرًا)
( النازعات ـ ٥ ) أي الملائكة الموكلة بتدبير الاُمور.
وقوله سبحانه : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ
عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) ( محمد ـ ٢٤
).
وقوله سبحانه : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ
لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) ( ص ـ ٢٩ )
إلى غير ذلك.
أو ليس تفسير التدبير بالنزول عند ذاك
يكون تفسيراً بالرأي الذي نهى عنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأوعد عليه النار وقال : من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار [١].
وأمّا
الثاني : فلأنّ الأمر في القرآن لم يستعمل بمعنى
الشريعة والأحكام الالهية من واجب وحرام ومكروه ومستحب ومباح ، وسائر الأحكام
الوضعية الجارية في العقود والايقاعات والسياسات.
هؤلاء هم أصحاب المعاجم وأعلام اللغة ،
لا تجد أحداً منهم فسر الأمر بالشريعة بل تدور معانية بين الشأن والشيء والتكليف.
سؤال
: إذا اعترفتم بأنّ التكليف من معانيها ،
كما يقال أمرته : إذا كلّفته ، فيصح تفسيره بالشريعة ، إذ الشريعة عبارة عن تكاليف
يوجهها الشارع إلى عباده ؟
الجواب
: انّ حمل الأمر في الآية على الأمر
والتكليف التشريعي خلاف مساق آيات السورة ، بل خلاف صريح سائر الآيات الواردة في
هذا المضمار فلحاظ السياق يدفعنا إلى أن نحمل الأمر على التكويني الذي هو عبارة عن
إرادته الفعلية ومشيئتة التكوينية الجارية في صحيفة الكون والوجود ، فإنّ كل ما
يسيطر على العالم ، من نظام وسنن وقوانين ، كلّها بأمر تكويني وإرادة فعلية منه
سبحانه كما يصرح به قوله سبحانه : (إِنَّمَا
أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ
* فَسُبْحَانَ
الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ