٣. الآيات المنزّلة في هذا المضمار ،
فإنّ هذه الآية ليست فريدة في بابها فقد ورد في هذا المضمون ( أي تدبير أمر
الخليقة ) آيات اُخرى كلها تهدف إلى ما أوضحناه ، وهو أنّ تدبير الخلق بعد إيجاده
من شؤونه سبحانه ، من دون نظر إلى الشرائع وتجديدها ، ودونك الآيات :
نعم هذه الآيات ساكتة عن عروج الأمر
وصعوده في المقدار الذي صرحت به هذه الآية ، ولا يوجب ذلك فرقاً جوهرياً بين
أهدافها ومراميها.
ومن ذلك تقف على أنّ الأمر في قوله
سبحانه : (أَلا لَهُ الخَلْقُ
وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ( الأعراف ـ
٥٤ ) هو أمر الخليقة ، أي هو الذي خلق الأشياء كلّها ، وهو الذي صرفها على حسب
إرادته فيها ، فما عن بعض أعلام العرفان والفلسفة من تسمية المادي والماديات بعالم
الخلق ، والمجردات والابداعيات بعالم الأمر ، استناداً إلى هذه الآية ضعيف جداً ،
وإن كان تقسيم الموجود إلى المجرد والمادي ، صحيحاً لا ريب فيه.
وأمّا
الثالثة : فلأنّ تفسير العروج بإندراس الشريعة
ونسخها باطل جداً ، لأنّ العروج عبارة عن ذهاب في صعود كقوله سبحانه : (تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) ( المعارج ـ
٤ ) وجعله كناية عن انتهاء أمد الشريعة وبطلانها واندراسها من الكنايات البعيدة
التي يجب تنزيه القرآن عنها ، إذ لا معنى لعروج الشريعة المنسوخة إليه سبحانه