وهذه السيادة التي تفيده هذه الآيات كما
تختلف اختلافاً أساسياً عن الحقّ الإلهيّ الذي استغله الطغاة والملوك والجبابرة ، قروناً
من الزمن للتحكم والسيطرة على الآخرين ، ووضعوا السيادة اسميّاً لله ، لكي
يحتكرونها واقعيّاً ، وينصبوا من أنفسهم خلفاء لله على الأرض.
أقول : كما يختلف عن ذلك يختلف أيضاً عن
تفويض الحاكميّة من الله للمجتمع كلّه ، بل هو خلافة ونيابة عن الله سبحانه ، فما
فوِّضت الخلافة للإنسان حتّى يتقلب فيها بأيّ نحو يشاء ، بل هو يحكم ويدير خلافةً
ونيابةً عن الله سبحانه.
ولأجل ذلك فما دام الله سبحانه هو مصدر
السلطات ، وكانت الشريعة هي التعبير الموضوعيّ المحدّد عن الله ، يجب أن تحدّد
الطريقة التي تمارس بها هذه السلطات عن طريق الشريعة الإلهيّة.
وبهذا ترتفع الاُمّة ـ وهي تمارس السلطة
ـ إلى قمّة شعورها بالمسؤوليّة لأنها تدرك بأنها تتصرف بوصفها خليفة لله في الأرض
، فحتّى الاُمّة ليست هي صاحبة السلطان وإنّما هي المسؤولة أمام الله سبحانه عن
حمل الأمانة وأدائها [١].
* * *
٤. الوظائف الاجتماعيّة وتشكيل الدولة
تدل الآيات القرآنية التالية ـ بالدلالة
الالتزاميّة ـ على ، أنّه يتوجب على الاُمّة القيام بتشكيل دولة في إطار القوانين
الإسلاميّة ، وأنّ للشعب السيادة ، وأنّه لا يحقّ لأحد أن يحمل نفسه على كاهل
الشعب ، ويفرض سيادته عليه دون رضاه ودون موافقته.
وقبل الخوض في تفاصيل هذا البحث لا بدّ
من طرح سؤال هو :
هل للمجتمع وجود على الصعيد الخارجيّ ، وواقعيّة
مستقلة عن وجود الفرد. أو أنّه أمر اعتباريّ يعتبره الذهن من انضمام فرد إلى فرد
آخر ؟
[١] لاحظ ( لمحة
فقهيّة تمهيديّة ) ، للمفكر الإسلاميّ الشهيد محمّد باقر الصّدر : ٢٠ ـ ٢٤ بتصرّف.