يعتقد الفلاسفة بأنّه ليس للمجتمع أي وجود
على الصعيد الخارجيّ ... فليس في الواقع الخارجيّ إلاّ ( الأفراد ) وما المجتمع
سوى صورة تنتزعها عقولنا عن انضمام الفرد إلى الفرد.
وعلى العكس من الفلاسفة ، يعتقد علماء
الاجتماع والحقوقيون أنّ للمجتمع وجوداً وحقيقةً قائمةً على الصعيد الخارجيّ ، ولذلك
تكون هناك علاقات اجتماعيّة ، وحقوق ، وأحكام خاصّة للمجتمع.
والحقّ أن كلتا الطائفتين على صواب ، وذلك
، لأنّ الفيلسوف الذي يلاحظ الأشياء من زاوية العينيّة الملموسة ، لا يجد واقعاً في
عالم التكوين بمعزل عن واقع الفرد التكوينيّ ، ووجوده الخارجيّ فلا يرى مناصاً من
إنكار الوجود الخارجيّ للمجتمع وراء وجود الأفراد.
فعندما يجلس خمسة أشخاص حول طاولة فإنّ
الفيلسوف لا يعتبر ( الهيئة الاجتماعيّة ) الحاصلة من اجتماع الأشخاص الخمسة ، شيئاً
مستقلاً ووجوداً خاصّاً ، ليفترضه سادساً لهم.
ولكن النظر من الزاوية الحقوقيّة التي
هي أكثر مساساً بالواقعيّات العرفيّة يهدينا إلى ، أنّ المجتمع البشريّ سواء كان
في حجمه الصغير ( القبيلة ) أو الكبير ( الاُمّة ) يتمتّع بواقعيّة عرفيّة ، وله
حقوق وواجبات غير ما للفرد ، وكما للفرد من حقوق وواجبات ومسؤوليّات. فهكذا
للمجتمع ومن هذه الزاوية تنظر الامم المتحضّرة إلى المجتمع ، وتعترف به وبوجوده ، وتقرّر
له الأنظمة ، والحقوق والواجبات.
وعندما ينظر الإسلام إلى الفرد والمجتمع
من الزاوية الحقوقيّة ، نجده يعترف بكلّ واحد منهما في موضعه ومحلّه ، ويقرّر لكلّ
واحد منهما ما يناسبه من الشخصيّة والحقوق والواجبات سواء بسواء.