وعلى الجملة فهذه الآيات لا تدل على
أكثر من أنّ عبادتهم للأوثان كانت مصحوبة بهذا الاعتقاد أو ناشئة عنه.
وأمّا كون العبادة موضوعة للخضوع الناشئ
عن الاعتقاد بالإلوهية ، بحيث يكون النشوء عن تلك العقيدة جزءاً لمعنى العبادة فلا
يستفاد من الآيات.
وأمّا الجواب فنقول : إنّما يرد الإشكال
لو قلنا بأنّ « الاعتقاد بالإلوهية » داخل في « مفهوم العبادة » وضعاً ، حتى يقال
انّ هذه الآيات لا تعطي أزيد من أنّ العبادة من شؤون الإلوهية ، وهذا غير القول
باندراج مفهوم الإلوهية في مفهوم العبادة ، إنّما المراد أنّ العبادة ليست مطلق
الخضوع والتذلّل ، بل أضيق وأخص منهما وهذا أمر يعرفه كل إنسان بوجدانه وفطرته ،
غير أنّنا نشير إلى هذه الخصوصية ونميز هذا الضيق بأنّه خضوع « ناشئ عن الاعتقاد
بالإلوهية أو الربوبية » كما سيوافيك في التعريف الثاني ، لا أنّ هذه الجملة ( ناشئ
عن الاعتقاد بالإلوهية والربوبية ) داخلة بتفصيلها في مفهوم العبادة ، ومعناها.
وبعبارة أُخرى : إنّ الإنسان قد لا يقدر
على تعريف شيء بنوعه وفصله ، أو حدّه ورسمه حتى يحدّه تحديداً عقليّاً لا خدشة فيه
، ولكنّه يجد في نفسه ما هو بمنزلة الجنس والفصل فيضعهما مكان الجنس والفصل
الواقعيين ، والأمر فيما نحن فيه كذلك ، إذ نجد أنّ التعظيم والخضوع والتذلّل وما
أشبههما أمر مشترك بين العبادة وغيرها فيتصوّره بمنزلة الجنس لها ، ويجد أنّ
العبادة تتميز بخصوصية عن غيرها ، ولكنه لا يقدر على بيان تلك الخصوصية بلفظ بسيط
فيتوسل بوضع جملة مكانه وهي ما ذكرناها : « ناشئ عن الاعتقاد بالإلوهية » ويضعها
مكان الفصل.
وبعبارة ثالثة : انّ الإنسان يجد أنّ «
العبادة » ليست مطلق التعظيم ونهاية