مطالعته الباحثة
للكون ، وأوّل نظره إلى ما حوله بنظرة المحقق المتأمّل واستفادته هذه المطالب
التوحيدية من ذلك.
٣. تشهد عبارة (يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) أنّ إبراهيم
بدأ تحقيقه هذا بين أبناء قومه الذين كانوا يعبدون هذه الكواكب باعتقاد أنّها
أرباب وتشهد أنّهم كانوا معه ، في كل المراحل الثلاث من التحقيق ، المذكورة في
الآيات ، يرون تحقيقه ، ويشاهدون بحثه ، للوقوف على الرب الحقيقي ويسمعون كلامه
طوال ذلك البحث والتأمّل.
ولو كان الأمر على غير هذا لما صح توجيه
الخطاب إلى قومه مرّة واحدة فيقول : (يَا قَوْمِ
إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) ، لأنّ
الهدف من جعل قومه موضعاً لخطابه هو ضم قومه إليه في الاعتقاد الصحيح ، ودفعهم إلى
ترك الشرك ، وهذا التكليف إنّما يكون صحيحاً إذا سمعوا منطقه وحديثه المبرهن.
٤. عندما كانت تقع عينا إبراهيم على
الكوكب أو القمر أو الشمس كان يقول : (
هٰذَا رَبِّي).
إنّ هذه الجملة لا تعني ـ بالمرّة ـ
وللأدلة التي سنذكرها ، إذعاناً قلبياً بربوبية هذه النجوم بل كان الهدف هو طرح
النظرية هذه ليتضح ويوضح ـ بعد ذلك ـ بطلانها أو صحتها.
وهذا أسلوب متعارف وشائع في عمليات
البحث والتحقيق العلمي.
فالباحث عن علّة حادثة ما يستعرض في
مخيلته جميع الاحتمالات والفروض الواحد تلو الآخر ، ويعمد إلى مطالعة كل واحد من
هذه الفروض والاحتمالات فيفترض كونه هو العلة ولو للحظة واحدة ، ولا يتركه إلى
غيره ما لم تتضح النتيجة