والقرآن نازل من عند الله بألفاظه نفسها
، وما مهمة جبرائيل عليهالسلام
إلا تبليغ الوحي كما تسلمه ، وهو آيات الكتاب الكريم بنصوصها خالصة بدلالة قوله
تعالى : ( تلكَ ءاياتُ اللهِ نتلوهَا عليكَ
... (١٠٨) )[١].
وقد اختار السيوطي ذلك تعبدا بلفظ
القرآن إعجازاً ، فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه ، وإن تحت كل حرف منه
معاني لا يحاط بها كثرة ، فلا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه [٢].
وخصوصية القرآن التعبد بتلاوته لأن
ألفاظه نازلة من الله تعالى فلا تدانيها خصوصية أخرى ، لأن هناك ما هو نازل من
السماء كالأحاديث القدسية ، ولكنها ليست بقرآن ، فلا خصوصية للتعبد بتلاوتها. وإن
أخذنا بمضامينها حرفياً ، ولكنها لم تنزل بألفاظها المخصوصة لها كما هو شأن القرآن.
والحديث النبوي نتعبد به أمراً ونهيا ، وكان
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يرسل الحديث
ويقوله ، ويتبع ذلك أهله وأصحابه ، ثم يتلو القرآن ويقرؤه ، فما اتفق يوما أن
تشاكل النصان ، أو تشابه القولان ، ولو كان معنى القرآن ينقل إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحيا ، أو وحيه ينقل إليه معنى ، والنبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم يصوغه بلفظه
، ويعبر عنه بكلامه ، لاشتبه القرآن بالحديث ، والحديث بالقرآن ، من وجهة نظر
بلاغية على الأقل ، بينما العكس هو الصحيح ، فالخصائص الأسلوبية في القرآن تدل
عليه ، وخصائص الحديث تدل عليه ، فكل له أسلوبه المتميز ، ومنهجه الخاص حتى عرف
ذلك القاصي والداني ، ممن آمن بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
والقرآن وممن جحدهما ، فالقرآن كلام الله ، ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
ينقله كما سمعه ، بلفظه الدال على معناه ، وبمعناه الذي نطق به لفظه ، لا شيء من
محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا النقل
الأمين ، والحديث كلام محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
يتفوه به فيشرع ويحكم ، لأنه المصدر الثاني بعد القرآن للشريعة الإسلامية ، قال
تعالى : (ومَا ءاتاكُمُ الرَّسوُلُ
فَخُذُوُهُ ومَا نهاكُمْ عنهُ فَانتَهُوا
... )[٣].