وفي هذا الضوء ، فإن ما يوحى به إلى
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يخلو : إما
أن يكون تعليمات يؤمر بإشاعة مفاهيمها بين الناس بحال من الأحوال ، وإما أن يكون
كلاماً يؤمر بتدوينه ، ويثبته الله في قلبه ، ويتلوه بلسانه ، فيكون كتاباً فيما
بعد ، وإلى هذا أشار الزهري بقوله :
« ما يوحي الله به إلى نبي من الأنبياء
فيثبته في قلبه ، فيتكلم به ويكتبه ، وهو كلام الله. ومنه ما لا يتكلم به ولا
يكتبه لأحد ، ولا يأمر بكتابته ، ولكنه يحدث الناس به حديثا ، ويبين لهم أن الله
أمره ، أن يبينه للناس ويبلغهم إياه » [٢].
والقرآن الكريم من النوع الذي ثبت في
قلب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتكلم به
وأمر بكتابته وتدوينه ، بعد إنزاله وحيا من قبله.
وقد أورد الزركشي عن السمرقندي ثلاثة
أقوال في المنزل من القرآن :
١ ـ أنه اللفظ والمعنى ، وأن جبرائيل عليهالسلام حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به.
٢ ـ إن جبرائيل عليهالسلام إنما نزل بالمعاني الخاصة ، وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علم تلك المعاني ، وعبّر عنه بلغة
العرب.
٣ ـ إن جبرائيل عليهالسلام ، إنما ألقي إليه المعنى ، وأنه عبر
بهذه الألفاظ بلغة العرب [٣].
والأول هو الصحيح دون ريب ، لأن جبرائيل
عليهالسلام وصف بالروح
الأمين لأمانته المتناهية ، فلا يضيف ولا يغير ، ولا يبدل ولا ينسى ، ولا يخوّل
ولا يتجوز ، كيف لا وهو روح القدس بقوله تعالى : (قُلْ نزَّلَهُ
روحُ القُدُسِ مِن رَّبِّكَ ... (١٠٢) )[٤].