وثمت دليل قرآني آخر في توجيه الخطاب
إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعبارة « قل
» في القرآن الكريم ، وتكرارها فيه أكثر من ثلاثمائة مرة ، تصريح وأي تصريح بأن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا دخل
له في الوحي ، فلا يصوغه بلفظه ، ولا يلقيه بكلامه ، وإنما يلقى إليه الخطاب إلقاء
، فهو مخاطب لا متكلم ، حاك لما يسمعه ، لا معبر عن شيء يجول في نفسه » [١].
لهذا كان إذا نزلت عليه آية أو سورة ، بل
وجزء من آية ، يدعو كتبته لتدوينها على الفور نصاً.
* * *
ولقد بهت العرب أمام ظاهرة الوحي
القرآني ، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة ، وأئمة البيان والفن القولي ، وتذرعوا
للتشكيك فيها بمختلف الوسائل ، فأثاروا الشبهات ، وتعلقوا بالأوهام ، فوصفوا النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم بالضلال ، والقرآن
من ورائهم يناديهم بقوله : (والنَّجمِ إذا
هَوَى (١) ما ضلَّ صاحِبُكُم وَمَا غَوَى
(٢) وَمَا يَنطِقُ
عَنِ الهوَى (٣) إنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى
(٤) )[٢].
وتداعوا مرة أخرى إلى افتراضات متناقضة
، فقالوا : أضغاث أحلام ، وقد أيقنوا بصحوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
ويقظته ، وردوه إلى الكذب والاختلاق ، وهم أنفسهم وصفوه من ذي قبل بالصادق الأمين
ونسبوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
إلى الشعر ، وقد علموا بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
أبعد ما يكون عن مزاج الشاعر وأخيلته ، وما ترك في هذا المجال أثراً يركن إليه
بهذه السمة ، وقد عبر القرآن عن ذلك :