الدعة والاحتياج ،
يضاف إلى ذلك الدعاء من الأعماق « وقل رب ارحمها » مجازاة على تربيته صغيراً ،
والرحمة ، وارحمها ، لفظان متلازمان في بحة الحاء المنطلقة من الصدر فهي صوتياً
مثلها دلالياً من القلب وإلى القلب ، ومن الشغاف إلى الشغاف ، وهنا يظهر أن الرحمة
ظاهرة واقعية تنبعث من داخل النفس الإنسانية ، فيتفجر بها الضمير الحي النابض
بالطهارة والنقاء والحب السرمدي ، فهي إذن لا تفرض من الخارج بالقوة والقهر
والإستطالة ، وإنما سبيلها سبيل الماء المتدفق من الأعالي لأنها صفة ملائكية ،
تمزج الإنسانية بالصفاء الروحي.
« والرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى
المرحوم ، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة ، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة
نحو : رحم الله فلاناً. وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون
الرقة ، وعلى هذا روي أن الرحمة من الله إنعام وإفضال ، ومن الآدميين رقة وتعطف » [١].
فالله تعالى تفرد بالإحسان في رحمته إلى
رعيته ، فجاء له الحمد مساوقاً لهذه الرحمة (الحمد لله
رب العالمين * الرحمن الرحيم )[٢].
ونشر الرقة بين البشر في الطباع (ليدخل الله
في رحمته من يشاء )[٣].
ولو تابعنا أصل المادة لغوياً لوجدنا
ملاءمتها للمعنى صوتياً في الرقة واللحمة والتناسب ، فالرحم رحم المرأة ، قل تعالى
: (هو الذي يصوركم في
الأرحام كيف يشآء )[٤]. ومنه
استعير الرحم للقرابة لكونهم من رحم واحدة نسبياً ، لذلك قال تعالى : (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض )[٥].
ولولا قرابتهم لما كانت الولاية بينهم.
فكان الالتصاق في الرحم قد نشر الالتصاق
بالولاية من جهة ، وجدد الرحمة بالرقة والمودة والعطف الكريم.