نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 6 صفحه : 393
أىّ ضرورة اقتضت هذا
التقديم والتأخير ، مع أنّه كان من الممكن ذكر الأرجل بعد الأيدي من دون تأخير؟
ولو كان الدافع إلى التأخير هو بيان الترتيب ، وانّ غسل الأرجل بعد مسح الرأس ،
فكان من الممكن أن يُذكر فعله ويقال « فامسحوا برؤوسكم واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين
». كل ذلك يعرب عن أنّ هذه محاولات فاشلة لتصحيح الاجتهاد تجاه النص وما عليه أئمة
أهل البيت من الاتّفاق على المسح.
٣ ـ ما روي عن ابن عمر في الصحيحين قال
: تخلّف عنّا رسول اللّه في سفره ، فأدركنا وقد أرهقنا العصر ، وجعلنا نتوضّأ
ونمسح على أرجلنا ، قال : فنادى بأعلى صوته : « ويل للأعقاب من النار » ـ مرتين أو
ثلاث ـ [١].
يلاحظ
عليه : أنّ هذه الرواية على تعيّن المسح أدلّ
من دلالته على غسل الرجلين فإنّها صريحة في أنّ الصحابة كانوا يمسحون ، وهذا دليل
على أنّ المعروف عندهم هو المسح. وما ذكره البخاري من أنّ الانكار عليهم كان بسبب
المسح لا بسبب الاقتصار على بعض الرجل ، اجتهاد منه ، وهو حجّة عليه لا على غيره ،
فكيف يمكن أن يخفى على ابن عمر حكم الرجلين حتّى يمسح رجليه عدّة سنين إلى أن ينكر
عليه النبيّ المسح؟! على أنّ للرواية معنى آخر تؤيّده بعض المأثورات ، فقد روي أنّ
قوماً من أجلاف العرب ، كانوا يبولون وهم قيام فيتشرشر البول على أعقابهم وأرجلهم
فلا يغسلونها ويدخلون المسجد للصلاة ، وكان ذلك سبباً لذلك الوعيد [٢] ويؤيّد ذلك ما يوصف به بعض الأعراب
بقولهم : بوّال على عقبيه ، وعلى فرض كون المراد ما ذكره البخاري ، فلا تقاوم
الرواية نص الكتاب.
[١] صحيح البخاري ج
١ كتاب العلم ص ١٨ باب من رفع صوته ، الحديث ١.