نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 2 صفحه : 28
من دجاجلة الملبسين
من الثنوية وأهل الكتاب ، ومما ورثوه من أُمم قد خلت ويؤلّفون في ذلك كتباً
يملأونها بالوقيعة بالآخرين ، متذرعين بالسنّة ومعزين إلى السلف ، يستغلون ما ينقل
عن بعض السلف من الأقوال المجملة التي لا حجّة فيها ، وكانت المعتزلة تتغلب على
عقول المفكّرين من العلماء ، ويسعون في استعادة سلطانهم على الأُمّة ، وأصناف
الملاحدة والقرامطة الذين توغلوا في الفساد ، واحتلوا البلاد ، ففي مثل هذه الظروف
قام الإمام أبو الحسن الأشعري لنصرة السنّة وقمع البدعة ، فسعى أوّلاً للإصلاح بين
الفريقين من الأُمّة بإرجاعهما عن تطرّفهما إلى العدل ، قائلاً للأوّلين : أنتم
على الحقّ إذا كنتم تريدون بخلق القرآن ، اللفظ والتلاوة والرسم ، وللآخرين : أنتم
مصيبون إذا كان مقصودكم بالقديم ، الصفة القائمة بذات الباري غير البائنة منه ، وأسماه
بالكلام النفسي.
وقام بمثل هذا الجمع في مسألة الرؤية
فقال للأوّلين : نفي المحاذاة والصورة صواب ، غير أنّه يجب عليكم الاعتراف
بالتجلّي من غير كيف. وقال لأصحاب الحديث : إيّاكم من إثبات الصورة والمحاذاة ،
وكلّ ما يفيد الحدوث ، وأنتم على صواب إن اقتصرتم على إثبات الرؤية للمؤمنين في
الآخرة من غير كيف. [١]
أقول : إنّ هذا الإصلاح لو صحّ فإنّما
هو بفضل ما تمرن عليه بين أصحاب التفكير والتعقّل ، وعرف منهم التنزيه والتشبيه.
ولولاه لما كان له هذا التوفيق البارز ، وسيوافيك أنّه وإن نجح في هذا الأمر ،
لكنّه نجاح نسبي لا نجاح على الإطلاق. فإنّ المذهب الأشعري عند التحليل يتفق مع
أحد المنهجين ، وإن كان يتظاهر بأنّه على مذهب المحدثين ، ولكنّه تارة يوافقهم ،
وأُخرى يخالفهم ويوافق المعتزلة في اللب والمعنى ، وإن كان يخالفهم في القشر
واللفظ كما سيظهر.