نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 2 صفحه : 27
وفي هذا المورد يقول بعض المحقّقين :
إنّ الخرافات السائدة بين أهل الحديث أوجبت سقوط عقائدهم عن مقامها في نفوس الناس
، بعد ما كانت قد طبقت العالم الإسلامي ، وانتشرت في أرجاء البلاد ، ولما قام
الإمام الأشعري بالإصلاح ، بإحلال التنزيه ، مكان التجسيم ، حلت محلها عقيدة
الأشعرية بعد هدوء الجو ، وبسرعة تتناسب معتغيير العقائد في العادة.
والعقيدة الأشعرية هي عقيدة حنبلية
معدلة ، وقد تصرفت في جميع ما كان غير معقول في العقيدة الأُم ، وهي الحنبلية. [١]
وقد توفّق الرجل في عملية الإصلاح في
بعض المجالات ، غير أنّه أبقى مسائل أُخرى على حالها ، فممّا توفق فيه مثلاً هو :
القول بكون القرآن قديماً ، أو الاعتقاد بالجبر والقدر ، بحيث يكون الإنسان
مسبّراً لا مخيّراً ، أو إثبات الصفات الخبرية لمعانيها الحقيقية على الله تعالى ،
كاليد والرجل والعين وسائر الأعضاء التي كانت الحنابلة وأهل الحديث يثبتونها بوضوح
، وكان سبباً لسقوط هذه العقائد في نفوس العقلاء والمفكّرين ، فجاء الإمام الأشعري
بإصلاح وتغيير في هذه الأفكار المشوهة ، فجعل القديم من القرآن ، هو الكلام النفسي
القائم بالله تبارك وتعالى ، لا القرآن الملفوظ والمكتوب والمسموع ، كما أنّه فسّر
مسألة الجبر والقدر بأنّ الله سبحانه هو الخالق للأفعال خيرها وشرها ، ولكن العبد
كاسب لها ، فللعبد دور في أفعاله باسم الكسب كما يأتي ، ومع ذلك فقد أبقى رؤية
الله تعالى في الآخرة بهذه الأبصار الظاهرة على حالها ، ولم يفسرها بشيء.
يقول الشيخ الكوثري في تقديمه على كتاب
التبيين ، عن عصر المتوكل : ففي ذلك الزمان ارتفع شأن الحشوية والنواصب ، وقمع أهل
النظر والمعتزلة ، والحشوية يجرون على طيشهم وعمايتهم واستتباعهم الرعاع والغوغاء
، ويتقولون في الله مالا يجوّزه الشرع ولا العقل ، من إثبات الحركة له ، والنقلة ،
والحد ، والجهة ، والقعود والاقعاء والاستلقاء والاستقرار ، إلى نحوها ممّا تلقّوه
بالقبول