وقد رووا عن الخليفة الثاني أنّه كتب إلى شريح: فإن أتاك بما ليس في كتاب الله ولا في سنّة رسول الله، ولم يتكلّم فيه أحد، فإن شئت أن تجتهد رأيك فتقدّم، وإن شئت أن تتأخّر فتأخّر .[ 1 ] وفي ضوء هذين الحديثين، نجم في القرن الثاني العمل بالقياس والاستحسان، وسدّ الذرائع، والمصالح المرسلة، ومذهب الصحابيّ، إلى غير ذلك من الظنون الّتي ما أنزل الله بها من سلطان.
إنّ الشيعة الإمامية في غنىً عن اللجوء إلى هذه المقاييس والاستحسانات، غير أنّ الأدلة الصحيحة تحتاج إلى استنطاق، وهي حجج صامتة، والفقيه بفضل الاجتهاد يستنطقها ويستثمرها، فتأتي ملبية لجميع ما يحتاج إليه الفقيه إلى يوم القيامة. والاجتهاد بهذا المعنى هو الطريقة الموروثة عن أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ فقد كان لهم موقف مثل الاجتهاد في إرشاد أصحابها إلى كيفية استنباط الأحكام من الكتاب والسنّة، ولو قام أحد المحقّقين بجمع تلك الشوارد لتجلّى دور الأئمّة في تربية الفقيه في أعصارهم وجاء الكتاب حافلاً بالذكر وجديراً بالمطالعة.
هذا، وقد قدّم سيّدنا الجليل المحقق الذكي، العاكف على الدراسة والكتابة طيلة سنين، الجزء الثاني من المباحث العقلية من علم الأُصول، وبتمامه تمّ البحث حول القطع والظن، والأُصول الأربعة (البراءة والاشتغال والتخيير والاستصحاب وكيفية العلاج بين الحجّتين) مضافاً إلى القواعد الأربع: قاعدة اليد، وقاعدة أصالة الصحّة، وقاعدة التجاوز، وقاعدة القرعة.
فنشكر المؤلّف البارع السيد محمود الجلالي المازندراني على ما بذل من جهود في تنظيم المباحث وترتيب الشوارد تنظيماً رائعاً مباركاً مثمراً بإذن الله سبحانه .