لاستصحاب عدم التذكية، لما عرفت من أنّه مثبت، ولا لاستصحاب حرمة أكله حياً حيث يُدفع بأنّه يجوز بلع السمك الصغير حيّاً، بل الوجه ما ذكرناه من أنّه إذا كان الأصل الأوّلي في الشيء هو الحرمة، وكانت الحلّية أمراً عرضياً، يكون الحكم بالحلّية متوقفاً على إحراز سببها، وهو بعد غير محرز، لما عرفت من تردده بين كونه لحم الغنم أو الأرنب، وقد عرفت أنّه لا يجري أصالة الصحّة في بيع الوقف إذا قام به مسلم غير المتولي، أو في بيع مال اليتيم إذا باعه غير الولي. فكلّ شيء يكون الحكم الأوّلي فيه هو الحرمة فالعدول عنه يحتاج إلى دليل.
ولعلّه إلى هذا ينظر ما نقله الشيخ الأعظم من الشهيد من أنّ الأصل في اللحوم هو الحرمة.
فإن قلت: كيف يحكم عليه بالحرمة مع العلم بوقوع التذكية عليه؟
قلت: ليست التذكية مؤثرة في كل مورد في الحلّية، وإنّما تكون مؤثرة، فيما احرزت قابلية المحل، وأنّه من الحيوان الذي لو وردت عليه التذكية يكون حلالاً، والمفروض عدم إحراز مثل تلك القابلية.
ثمّ إنّ المحقق النائيني فصّل في المقام بين كون التذكية أمراً وجودياً بسيطاً مسبباً عن الذبح بشرائطه نظير الطهارة المسببة عن الوضوء أو الغسل، والملكية الحاصلة من الإيجاب والقبول فيستصحب عدمها.
وبين كونها عبارة عن نفس الفعل الخارجي مع الشرائط الخاصة كما هو المتبادر من قوله سبحانه: (إلاَّ ما ذَكَّيتُم) (المائدة/3) الظاهر في كونها قائمة بالمكلَّف مباشرة لا تسبيباً، فلا مجال لاجراء أصالة عدم التذكية للقطع بتحققها على الفرض فيرجع إلى أصالة الحل [ 1 ].
وأيّده معاصره المحقق العراقي في تعليقته على الفوائد باجراء أصالة الصحّة في عمل المذكي.