وقد عكف على بيان هذه المسألة، إمكاناً وامتناعاً، عدّة من الأعلام، فتضاربت في ذلك آراؤهم.
حقيقة الترتّب أن يتعلّق أمر فعلي بواجب ـ أهم ـ على وجه الإطلاق بلا تقييد بشيء، ويتعلّق أمر فعليّ آخر بضدّه ـ المهمّ ـ مشروطة فعليته بعصيان ذلك الأمر المتعلّق بالأهم أو العزم على عصيانه.
ولتوضيح الحال ، نقدّم أُموراً:
1ـ إنّ مورد الترتّب هو ما إذا كان هناك تزاحم بين المضيّق والموسّـع، كالإزالة والصلاة الواجبة مع سعة الوقت، أو بين المضيّقين كالإزالة مع الصلاة في آخر الوقت، أو مثل إنقاذ غريقين أحدهما مهم والآخر أهمّ ـ كالوصي والنبي ـ مع عدم القدرة إلاّ على واحد منهما.
وقد عرفت أنّ إطلاق الأمر بالطبيعة بالنسبة إلى الوقت الذي كان فيه الأمر بالإزالة فعلياً، موجب لطلب الضدّين على وجه الإطلاق ولا محيصَ عن تقييد الإطلاق حتّى يكون طلب المهم في ذلك الظرف على وجه مشروط.
2ـ إنّ البحث عن صحّة الترتّب وعدمها، بحث عقلي لا دخالة للفظ فيه. وذكره في أبواب مباحث الألفاظ، كذكر الملازمات في باب الأوامر مع أنّ البحث فيها عن الملازمة العقلية.
3ـ إنّ مسألة الترتّب من المسائل التي يكفي في وقوعها إمكانُها، وذلك أنّه لمّا كان طلب الإزالة والصلاة من المكلّف في زمن واحد، تكليفاً بغير المقدور، فرفعه يتحقّق بأحد الأمرين، إمّا برفع اليد عن نفس الأمر بالمهم، أو برفع اليد عن إطلاقه، وتقييده بعصيان الأهم. وإذا كان رفع اليد عن إطلاق المهم كافياً في رفع المحذور، فلا وجه لرفع اليد عن نفس الأمر، لأنّه عندئذ يكون الالتزام بسقوط الأمر من رأس، بلا جهة ملزمة والضروريات تتقدّر بقدرها.